Friday, April 20, 2012

حوار مع جوان سكوت عن "سياسات الحجاب في فرنسا المعاصرة"



الجامعة الأمريكية 21 ابريل
حوار مع جوان سكوت
صاغت الأسئلة حنان خلوصي وقام بترجمة الحوار خالد فهمي
كنت واحدة من أوائل الأكاديميين في الجامعات الغربية الذين أدمجوا المرأة العاملة في السرديات التاريخية التقليدية. ما الذي دفعك لدراسة تاريخ المرأة العاملة الفرنسية؟
كانت رسالتي للدكتوراه تتعلق بالطبقة العاملة الفرنسية، وتحديدا بتاريخ عمال صناعة الزجاج في القرن التاسع عشر في فرنسا، وعندما كتبتها في 1967-1969 لم يكن لدي أي وعي بتاريخ النساء. ولكن الموجة الثانية من الحركة النسوية (تلك التي ظهرت في السبعينات) دفعتني للاهتمام بتاريخ المرأة. فكان تلامذتي يستفسرون مني عن تاريخ النساء، ونظرا لأنني كنت قد درست تاريخ الطبقة العاملة الفرنسية فكان من الملائم أن أتحول لدراسة تاريخ النساء في الطبقة العاملة الفرنسية. (يجب أن أنوه هنا أنني كنت مجرد واحدة – ولست من الأوائل – ممن كتبوا عن تاريخ المرأة العاملة). وفي نفس الوقت، بدأت قراءة النقد النسوي للسرديات التاريخية التقليدية، وكغيري من المؤرخات النسويات اكتشفت أن لنا سلفا. هؤلاء كن نسويات "الموجة الأولى" اللاتي ناضلن لإعطاء المرأة حق التصويت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واللاتي كتبن عن المرأة ودورها في التاريخ، كما كتبن عن مشاركتهن الفعالة في السياسية وقدرتهن على الفعل السياسي. وشكلت هذه الكتابات أساسا قويا لنا ونموذجا احتذيناه نحن مؤرخات الموجة الثانية.
كانت مقالتك الصادرة عام 1986 والمعنونة "الجندر: أداة مفيدة للتحليل التاريخي" بمثابة ثورة في دراسات المرأة، وكانت مسئولة بشكل أساسي عن تقديم الجندر كمدخل جديد ومختلف لدراسة التاريخ. ما الذي دفعك للتحول من دراسة المرأة لدراسة الجندر؟
شكل "الجندر" بالنسبة لي الحلقة المفقودة في الدراسات التطبيقية عن تاريخ المرأة، فقد أتاح لنا هذا المفهوم إمكانية فهم الطريقة التي تحدد بها مجتمعات مختلفة في أزمنة مختلفة الفرق بين النساء والرجال. فالمقصود بـ"الجندر" أن الطبيعة لا تحدد أقدار النساء أو الرجال، بل أن هذه الأقدار تحددها المعاني التي تصبغها المجتمعات الإنسانية على الفروق الجسمانية والتشريحية بين الجنسين. وبالتالي شكل "الجندر" لي الإطار النظري الذي أضاف بعدا نقديا لدراسات المرأة. فقد أكد على أن "النساء" مفهوم يتحدد على ضوء علاقته بـ"الرجال"، وأن الفرق بين الجنسين في أغلب الأحيان ليس فرقا تمليه الطبيعة بل نتاج اختلاف في موازين السلطة، وأن الاعتماد على الطبيعة لشرح الفرق بين الجنسين ما هو إلا وسيلة لتبرير تلك الاختلافات في السلطة التي ينتجها المجتمع، وأن الأفكار السائدة في مجتمع ما في استطاعتها ليس فقد أن تحدد الذكورة والأنوثة بل أيضا أن تقصي أية "انحرافات" على أنها غير طبيعية وشاذة.
بالإضافة إلى الإعجاب الشديد والإطراءات التي نالها مقالك فقد أجج أيضا سجالا حاميا وأشعل الكثير من الجدل. هلى حثك هذا على إعادة النظر في أي من المقولات التي سردتيها في مقالك هذا؟
لا. لقد طورت نقدي لنظرية التحليل النفسي، فأنا أعتقد الآن أن هذه النظرية بإمكانها أن توضح لنا كيف تُفهم الفروق بين الجنسين وكيف يجري إنتاجها. ولكني لم أغير موقفي بخصوص أهمية الجندر في فهم تجارب النساء وتاريخهن. فأغلب الانتقادات التي وجهت لهذا المقال أثارها أفراد كانوا أسرى المناهج التقليدية لدراسة التاريخ، وبالتالي لم يهتموا بالتنظير من قريب أو من بعيد، ولم يروا في تنظير ما بعد البنيوية بشكل خاص أية فائدة. وأنا ما زلت أعتقد أن التنظير مفيد وما زلت أعتمد عليه في أعمالي.
يشكل كتابك الأخير، "سياسات الحجاب"، تحولا جذريا آخر في إنتاجك الفكري، نظرا لتركيزه على القانون الفرنسي الذي صدر مؤخرا والذي يمنع ارتداء الحجاب. ما الذي دفعك للكتابة عن الفترة المعاصرة وعن الإسلام؟
أثناء دراستي عن النسوية الفرنسية كنت مهتمة بالطرق التي استطاعت بها النظريات الجمهورية عن العالمية أن تهمش المرأة وأقليات أخرى. فأثناء كتابة كتابي الذي يتناول تاريخ "الحركة من أجل المساواة" (وهي حركة نسوية نادت في التسعينات بضرورة تمثيل المرأة بشكل متساوي ونجحت عام 2000 في استصدار قانون يلزم أن يكون عدد المرشحات في أغلب الانتخابات مماثلا لعدد المرشحين) – أثناء عملي على هذا الكتاب بدأت أهتم بالطريقة التي يتم التعامل بها مع أقليات أخرى، مثل المثليين وأيضا مجموعات "المهاجرين"، وتحديدا المسلمين. وبدا لي أن موضوع غطاء الرأس يقدم نفسه كمثال آخر للطريقة التي يمكن بها أن تُستغل العالمية الفرنسية كأداة لاستبعاد "الآخر" الذي لا يمكن إدماجه داخل النماذج الثقافية الاستيعابية للجنسية الفرنسية.
هل تتابعين الخطابات الثورية والإسلاموية عن المرأة والجندر في مصر ما بعد مبارك؟ وهل لديك أية أفكار أو رؤى عن هذا الموضوع؟
في هذا الموضوع أنا أنتظر أن أتعلم من زملائي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الذين دعوني لإلقاء محاضرتين هناك. فالكثير مما يقال عن المرأة والجندر في مصر ما بعد مبارك هو نتاج الصحافة الأمريكية، وهي صحافة تفترض أن الإسلام والمساواة بين الجنسين متعارضان بالضرورة، وبالتالي فلم استطع أن أقف على مجريات الأمور هنا. يبدو لي أن هناك بعض القوى السياسية التي تتهم النساء بخروجهن على العادات والتقاليد التي تريد هذه القوى السياسية أن تفرضها، ويبدو لي أن هذا الهجوم يقصد منه الهجوم على الحركة الاحتجاجية بشكل عام وليس فقط الهجوم على المرأة. ولكني أود أن أعي بشكل أعمق سياسات الجندر في مصر ما بعد مبارك.
كيف تردين على ادعاءات بعض الإسلاميين (وغير الإسلاميين) بأن النسويات الغربيات يفسدن عقول النساء المسلمات بنشرهن أفكار عن النسوية وعن المساواة بين الجنسين وهي أفكار تتعارض مع التقاليد والموروثات الإسلامية؟
أظن أن هذه الادعاءات تنتمي للأفكار الشائعة عن الإسلام  في الغرب والتي تذهب إلى أن الإسلام دين معاد للمرأة وللمثليين. هذه الادعاءات هي نتاج لنظرة تبسيطية تعتمد على افتراض وجود ثنائيات يمكن بها فهم العالم: الغرب ضد الشرق، العلمانية ضد الدين، الحداثة ضد التراث. إن هذه الثنائيات تخفي الاختلافات والفروق البسيطة داخل الغرب نفسه وفيما بين المسلمين أنفسهم. كما أن الانطلاق من هذه الثنائيات وعدم التشكيك فيها يمنعنا من أن ندرك أن النسوية والفرق بين الجنسين لهما وجود في كلا الجانبين، ويمنعنا أيضا من أن نرى على كل جانب من هذه الثنائيات تقاليد الفكر النسوي الذي لا ينتمي للأفكار الشائعة. فبعض الإسلاميين يرون أنه قد يكون من الأيسر عليعم أن يلوموا الغرب من أن يعترفوا بطبيعة أفكارهم المعادية للمساواة وللمرأة. وبالمثل من السهل على الغرب ألا يعترف بالطبيعة الأبوية لمؤسساته ولممارساته عن طريق الادعاء بأن الإسلام وحده هو ما ينادي بعدم المساواة بين الجنسين. يجب مقاومة هذا التفكير الثنائي في كل مكان. يجب علينا، عوضا عن هذا التفكير الثنائي، أن نولي اهتماما للاختلافات داخل مجتمعاتنا، وأن نهتم بالحركات السياسية التي تشكك في القيم الشائعة أينما وجدت، وأن ندرس تاريخ تلك الحركات بوضعها داخل سياق مجتمعاتها وأيضا داخل السياق السياسي العالمي.

No comments:

Post a Comment