Sunday, November 24, 2013

البديل العاجز

مهاب نصر
 
عند كتاب الستينات كان وصف شخصية بالعجز الجنسي أو المثلية هو نوع من الجزاء لفساد السلطة وللسلطوي أو الخاضع ليه. الرمز كان مش بس عبيط وفج، انما بيساوم المجتمع على معنى شائع حدا للفحولة، موجود بالضبط عند عم عبده شكيّر والبلعوطي والحاجة حسنات٠ وبالتالي بدل ما يفك السلطة ويحولها لكلام نقدر نتناقش فيه، ويحطها جوه تاريخ عشان نفهم حدودها وهي جت منين، وبالتالي نوسع مجال فهمها والقدرة على التعامل مع منابعه...ا بدون عصبية أو مزايدة، بدل كل ده جه الرمز المنحط (ابن تاريخ لا يقل انحطاطا عن انحطاط السلطة) عشان يقفل الكلام، ويدمغ السلطة بحكم قيمة بدائي٠ وده ما تغيرش كتير بعد كدة ، بمعنى ان السياسة بقت وضع رمز في مواجهة رمز، غالبا للنكاية والمساومة : الشارع مثلا قصاد المؤسسة٠ لدرجة ان الناس كانت بتمارس أو تتظاهر بممارسة الحرية الجنسية مثلا مش تعبيرا عن احتياج فعلي انما تعبير عن ضمير تلوث بالرمز، يعني ما بقاش يمارس إلا وهو فاكر نفسه بيعمل ده ضد كذا ، فوق السرير ما بتبقاش المتعة، انما التركيز المجهد في الكلمات٠ كل الخرا الوقح ده طلع قصائد أو أشباه قصائد (حتى الممارسة السياسية ما كانتش اكتر من كدة) لكن ما طلعش كلمة واحدة تتصدق حتى من اللي بيقولها، شعور واحد واقف على ارض حقيقية، اكتشاف جديد لأي معنى، حرية مش معمولة للنكاية انما تعبيرا عن السعادة، سياسة مش معمولة بهدف الإدانة أو إصدار حكم قيمة على الآخرين، انما بهدف تحرير العلاقة بينهم من أحكام القيمة وإعادة ترتيبها بشكل يسمح لها اكتر بالتعبير عن نفسها في إطار عادل٠ مش ممكن تكون فيه سياسة ما ورهاش ده، إلا وتسقط في عماها٠ أخيرا من أسخف افتكاسات الكتّاب فكرة ان ما فيش أحكام قيمة، أو اعتبار الكتابة هي نوع من مرمطة حكم القيمة (مش فهمه)٠ يا ابن ٠٠٠٠ هو مش حكم القيمة ده اللي مخليك تتكلم عن العلاقة الحرة في قصيدة وتحط صورة ولادك ع الفيس، يا ابن ٠٠٠ هو مش حكم القيمة ده اللي بتقبض عليه فلوس وجوايز وعايش على قفاه، باعتبار الكتابة شيء ضروري أو مهم للحياة أو ساعات متعالي عليها كمان لكن بياخد منها مصروفه؟!

Wednesday, November 6, 2013

فلنهئ أنفسنا لاحباط عظيم

حازم صاغية
النهار
5 نوفمبر 2013

بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967 استولى الإحباط على الشعوب العربيّة ونُخبها على نحو تجاوز ما حصل بعد 1948. الإحباط حلّ في كلّ مكان، في الكلام اليوميّ كما في الأدب والمسرح، وفي التحليل الفكريّ كما في الصحافة والتلفزيون. العرب غدوا محبطين وكفى.
ذاك أنّ الهزيمة، التي أطاحت ثلاثة بلدان وثلاثة جيوش في ستّة أيّام، كانت مهولة ومطنطنة، زاد في ضخامتها وفي حدّة وقعها أنّ المهزوم الأكبر لم يكن سوى جمال عبد الناصر، معبود العرب، الذي لم يهيّئهم إلاّ لتوقّع الوحدة الوشيكة والنصر المؤزّر على الدولة العبريّة. ثمّ إنّ الذين سبق أن أُحبطوا بنكبة 1948 عوّلوا على الأنظمة العسكريّة ردّاً على النكبة، فإذا بالنكسة، بعد أقلّ من عقدين، تجدّد إحباطهم وتجعله يأساً.
كان ذاك هو الإحباط القوميّ، أو الإحباط بالقوميّة. بعده أكّد الفلسطينيّون فلسطينيّتهم، لا عروبتهم، طريقاً إلى «تحرير فلسطين»، وانفصل أنور السادات بمصر عن الرواية العروبيّة لعبد الناصر. أمّا حافظ الأسد فقلّص الإنشاء الوحدويّ للبعث إلى مجرّد دفاع عن السلطة السوريّة وبقائها، ومثله فعل صدّام حسين في العراق.
اليوم يعيش العرب الإحباط الديموقراطيّ، أو الإحباط بالديموقراطيّة. عسف الأنظمة العسكريّة وصعود الإسلام السياسيّ نجحا في استيلاد أسوأ ما في تراكيبنا الأهليّة والثقافيّة، وفي تعميمها: في مصر يحصل اليوم اعتذار عسكريّ - شعبيّ عن ثورة يناير. في سوريّة تبتلع الحربُ الأهليّة والأزمةُ الإقليميّة-الدوليّة الثورة. في ليبيا تبدو الدولة والثورة خطّين متوازيين إلى ما لا نهاية. ربّما كانت تونس وحدها لا تزال تلوّح لنا ببصيص أمل، لكنّه لا يزال بصيصاً مهدّداً. وحتّى لو صار أملاً فإنّ موقع تونس ودورها يحدّان من اكتساب الحدث بُعداً عربيّاً شافياً.
لقد نجح الإسلاميّون والعسكر، مدعومين بأسوأ ما في تجربتنا التاريخيّة، في الاقتصاص من ثورات «الربيع». وأغلب الظنّ أنّنا سنكون وجهاً لوجه أمام المزيد من الوعي التآمريّ المتفشّي، وربّما أمام مزيد من الراديكاليّات العدميّة التي تمعن في تفتيت مجتمعات لا يعوزها التفتّت، ومعها محاولات بونابرتيّة، مأسويّة أو هزليّة، لبيعنا الخلاص العسكريّ.
والحال أنّ الإحباط السابق، القوميّ، كان يمكن أن يكون صحّيّاً، أي أن يقرّب العرب من واقع أوطانهم ودولهم، ومن إدراك الفارق بين القدرات والشعارات، ومن أخذ العالم في الحسبان لدى احتساب موازين القوى. وهذا ما لم يحدث إلاّ جزئيّاً جدّاً وبطرق شديدة الالتواء، وكان من نتائج عدم حدوثه، الذي استثمره الاستبداد والإيمان النضاليّ، أن تراكمت طبقات فوق طبقات من الأزمات والتناقضات التي بات على «الربيع العربيّ» أن يواجهها. أمّا الإحباط المقبل فأخطر. فهو لا يكتفي بإعلان انهيار كلّ شيء، أنظمةً وثوراتٍ، علمانيّةً وإسلاماً سياسيّاً، بل يعلن أيضاً أنّ ما من علاج في الأفق المنظور، وأنّ العلاج النظريّ المفترض تواجهه حساسيّة تتحكّم بالجسد وتحول دون تلقّيه ذاك العلاج. وقد تتسابق الأفكار والمجتمعات في العودة إلى حالة صفريّة: فتنهدم الأولى إذ تستحوذ عليها لا أدريّة شاملة وشالّة، وتنهدم الثانية لصالح مكوّنات خام لا يتمّ بلوغها إلاّ بدم كثير.
الواقع لا يُحتمل، والتغيير مسدود، أمّا الذين يقولون «الآتي أعظم» فلا يكذبون.