Wednesday, December 25, 2013

عن المرأة...مهاب نصر


الكلام ده تعليقا يعني على اللي بيتقال كل شوية عن حق المرأة في الدستور والمساواة وحرية المرأة وكل الكلام اللطيف ده واللي أكيد كلنا بنحترمه، وبنأكده بقدر ما هو مالوش علاقة بأي قضية حقيقية سواء تخص المرأة أو غيرها .. مع العلم ان مصلحة المرأة نفسها، أحيانا ولو نفسيا، إظهارقضيتها كما لو كانت فعلا هي الحرية والمساواة. وباستثناءات نادرة جدا ممكن التشكيك في الفكرة دي ويمكن نفيها كمان.
من الطبيعي إننا نستعبط على بعض (امال هي الحياة ما بتطورش ليه؟ والمشاكل بتتكرر ليه؟). ومهم جدا نقول في أي مقال أو برنامج أومنهج تعليمي (لقد أثبتت المرأة وجودها في الحياة العامة ندا للرجل وأصبحت مهندسة وطبيبة ونالت حقوقها ومكانتها السياسية فصارت عضوا بالبرلمان، وسفيرة ووزيرة" وممكن طبعا ايجاد جذور تاريخية للفكرة (زي ما بنعمل في كل حاجة باعتبارها حصلت قبل كدة) فالاسلام كرم المرأة واداها حتة حلوة من الميراث..ووو..
لكن ليه ما تروحش تعرف المرأة من حتة تانية خالص، قصدي شوفها بتسمع الأغاني ازاي وبتفهمها ازاي؟ وشوف طبيعة استدلالها بيها (كأنها حقيقة) لترسيخ دور هو على النقيض تماما من كل الكلام اللي فات. وممكن تلخيص الدور المستتر ده في عبارة نجاةالظريفة "أنا باستناك".
بداية احترز من إن كلمة "المرأة" تفهم على إطلاقها، احنا بنتكلم على امرأة منتمية لمكان وتاريخ محددين عشان ما حدش يخش لنا في حكاية الذكورية والنبي.
أولا فكرة مطلب المساواة بيفكرني بالثورة (معلش نلف نلف ونرجع لها) بمعنى هل الثورة تطالب أم تصنع؟ وكذلك هل تطالب المرأة "الرجل" بالمساواة أم تصنعها ليس باعتبارها جنسا في مواجهة جنس، بل باعتبارها إنسانا أيا كان جنسه؟ أنا اتكلمت قبل كدة عن فكرة الندية اللي مش عاجباني خالص والحقيقة إنها ملاءمة للجتمع البرجوازي االلي يوقعك أسير فردية غير مبررة ولا معقولة أصلا، ومعقوليتها تستند إلى فرضية "اشتغل واتمتع يا حمار"
فكرة أن المرأة صارت وزيرة وسفيرة وسائقة تاكسي وزعيمة عصابة لا أعرف إن كانت مدعاة للسعادة أم لا، لأنها ببساطة مبنية على مضاهاة حياة الرجل، فالمساواة أن أكون "مثلك" في نفس الوظائف التي تقوم بها، أي بالاعتراف الضمني بأن"حياتك" هي "الحياة". تدخل المرأة ميدان المجتمع البرجوازي نفسه الذي صنعه الرجل وتعتبر بذلك أنها تحررت أي صارت نسخة مشوهة من فكرة مشوهة بدورها عن الحياة، الحياة كمصنع للعمل، الحياة كحالة من التعرّق والنجاح، وطمعا من المتعة الشرسة المتنبهة دائما لمواعيد الاستيقاظ.
آجي للنقطة الأهم نقطة الزمن اللي موجودة في أغنية نجاة "أنا باستناك". سيبك من الكلام الهجص اللي بيتقال على مستوى النخبة (والله أعلم هي نفسها  مصدقاه ولا لأ.. ولأي مدى؟)
في أي علاقة تمنح المرأة الرجل مهمة تبرير الزمن، احساسها الدائم بالملل نابع أصلا من فكرة ان حياتها انتظار (بالمناسبة حتلاقي ده حتى في طريقة حركة الجسم) رغم ان فكرة الملل نفسها مركزية حياة البشر رجالة وستات .
الزمن فارغ (مهما كان مليان بعمل وشغل وحياة ما تبرروش إطلاقا.. قصدي بالنسبة لها) وفي نفس الوقت هو مسؤولية راجل ما. وبقدر ما الزمن مهمة الراجل بقدر ما بتحط نفسها بالنسبة له كموضوع أساسي لتحقيق زمنه الخاص.
لكن يبقى زمن الراجل  نفسه غير مبرر "زيه زي أي إله منه للسما"..والسؤال هو : مش من حق الراجل برضه انه يلاقي حد يبرر له الزمن ويديله معنى؟بمعنى  آخر انه يكون هو نفسه موضوع لحد عامل لنفسه زمن خاص.؟ اعتقد (رغم اني ما بحبش الكلمة دي) ان في شيء مطلوب قبل المساواة أو معاها ما اعرفش، العودة لأصل، أصل اكتشاف البني آدم للملل، الأصل اللي حول الغريزة لحب واللي خلى ضروري أيجاد معنى للحياة، واللي خلى الزمن كانه مسار مستقل عنا  بنستعيد امتلاكه.

في لحظة هنا ضايعة،  لحظة التأليه الحقيقي اللي له معنى، تأليه اتنين لبعض، تاليه حاضر ومسؤول، مادي ومعنوي، جسم وفكرة، بدل ما كل واحد يؤله وسيط مسبق سماوي أو أرضي ديني أو برجوازي. وما اظنش انفي أي تغيير حقيقي يحصل الا بده مش بس اجتماعي حتى سياسي وبشكل جذري. الكلام ده مش بيحمل مسؤولية لطرف لأن مش ده الهدف أبدا وإن كان موضوعه المرأة لأنه التدليس والرياء الاجتماعي فيه لا يحتمل.


..............................................................
 إضافة 

البنت اللي كتبت عنها بوست من فترة كانت ساعات وأنا معاها عنيها تتخطف خطفه غريبة قوي، كأنها راحت لمكان أنا مش شايفه، ما تعرفش هو جواها واللا بعيد، وكنت أحاول أبص على المكان ده واركز في نفس الاتجاه وارجع باحساس بالعجز. سيبك من ان خطفة العين لجوه بتبقى ساعات احساس جنسي غامض لأن ده كان بيوصل زي شفرة متفاهم عليها. أنا قصدي حاجة تانية أكثر إيلاما
بعد كدة عرفت إن الخطفة دي ليها علاقة بشيء عدمي أصيل عند الست. ووقاحة الراجل طول الوقت في ادعائه الانتصار عليه وتأكيده ان الحياة ليها معنى. وعرفت (من غير ما اكون متأكد من اللي باقوله) إن اللي بيحبك صحيح مش هو اللي يخليك وسيلته في الحرب على العدمية دي، أو في إبعاد شبحها مهما ضحك وبكى معاك. اللي بيحبك حقيقي هو اللي يقدر يتونس بوجودك جوه عدميته دي. يسيبك تشوفها وتعيشها معاه بنوع من الرضا العميق، والتصالح مع الليل اللي ماشيين فوقيه طول الوقت.
في ناس كتير ما عاشتش اللحظة دي ومتصورة نفسها حبت وهي لغوشت بس على عدميتها، عرفت ناس في الدايرة الخارجية لحياتها تضحك وتتنطط وفجأة يضربها الاكتئاب زي مطرقة مظلمة، ويرميها بعيد في حتة ما يطلعش فيها الصوت.
في الستات التقليديات ح تلاقي كتير عدم احترام عميق للراجل رغم تشبثها بيه، ممكن يكون احتقارها نابع من فشله في الوجود جوه المنطقة دي. لكنها بتفهم كمان مسؤوليتها عن ده وتعاقب نفسها باستمرار علاقة هي عارفة كويس إن كلها من برة ولبرة. 
حاجة أخيرة خالص: هو ممكن يكون فيه تغيير حقيقي في الحياة (ثورة مثلا) من غير ما يكون فيها حب من النوع ده.. قصدي من النوع اللي يعترف بان أصالة الوضع البشري مرتبطة بعدميته؟

Monday, December 9, 2013

الوعي بمأزق الأنثى


نعود من جديد للتفسير المتسرع لعبارة سلوى الشهيرة "عاوز أقعد جنبك.. مش وراك"، والذي أجزم الكثيرون بثقة أحسدهم عليها أنها توضح تحرر الفتاة وسعي صانع الفيلم لتكريس فكرة المساواة بين الجنسين. والحقيقة أن العبارة بارعة الصياغة تحمل داخلها بالفعل إذا ما تم تناولها بشكل مجرد بعيدا عن سياقها هذا المعنى ذا الصبغة "الحقوقية"، وتبدو العبارة صالحة لأن تستخدم كشعار نسوي عابر للزمن، ولكن المواقف الحقوقية دائما ما تكون أحادية الموقف، وسينما محمد خان أبعد ما تكون عن الأحادية أو التبسيط، بل إن قوتها الفكرية الأساسية تنبع من إمساكها بزخم الحياة وتفاصيلها وتناقضاتها، لهذا فإن علينا أن نعيد النظر لموقف سلوى، والذي يحمل ككل ما في فيلم خان الأول، بذورا للاتجاهات التي سنراها بوضوح لاحقا خلال مشروعه السينمائي.

فأزمة المرأة في المجتمع المصري لا يمكن تلخيصها في وجود تفرقة بين الذكور والإناث، ولا يمكن اختزالها في فتاة ترغب في الجلوس بجوار حبيبها بدلا من أن تجلس وراءه. المرأة في مصر تعيش واقع أعقد من ذلك بكثير، واقع يتاح لها فيه المساواة بل والتفوق على الرجل في بعض الأصعدة، بينما تسلب حتى من حق التفكير في أن تكون ندا له بأصعدة أخرى، تماما مثل سلوى، التي تملك بداخلها بذرة التمرد والمطالبة بالحرية، والتي تتضح من شخصيتها التي نفهم أبعادها تباعا، ومن علاقتها المفتوحة بحبيبها التي نراها من اللحظة الأولى بصورة صادمة لثوابت المجتمع، ولكنها في نفس اللحظة محاطة بالكثير من الضغوط: تحكم أسرتها التي تصل لمواعيد عودتها للمنزل، نظرة العالم المحيط لها، والأهم هو الثقافة التي تشربتها منذ الصغر، والتي تجعلها وإن كانت تحب فنانا بوهيميا وتؤمن بموهبته وتخالف قواعد المجتمع معه، إلا أنها لا تزال محتفظة بالرغبة في الحصول على حياة مقاربة لحياة بني جنسها من الفتيات المصريات، حياة أقل جنونا وأكثر أمانا، حياة لا يعد الجلوس بجوار الزوج فيها دليلا على المساواة، بل على محاولة للجمع بين حسنيين: الحب الحر والحد الأدنى من الأمان المجتمعي.

هذا الوعي بمأزق الأنثى هو أحد العناصر الكثيرة التي لم تجعل "ضربة شمس" مجرد فيلم أكشن جماهيري آخر، ولكنه عمل أكثر عمقا وارتباطا بالواقع بما يفوق مئات الأفلام التي تسرد حكايات دراما اجتماعية يظن من لا يعلم أنها واقعية تطرح قضايا اجتماعية، ولكنها في الحقيقة تتعامل مع هذه القضايا باستقطاب صارخ، ينطبق عليه ما قاله المخرج السوفيتي الكبير أندري تاركوفسكي عن هذه النوعية من الأفلام، عندما قال وكأنه يصف سينما محمد خان "تفسير ذلك هو أن نمط الحياة شعري أكثر مما هو ممثل أو مصور أحيانا من قبل المدافعين بعزم عن الطبيعية. الكثير مع ذلك، يبقى في أفكارنا وقلوبنا كاقتراحات غير متحققة. عوضا عن محاولة الإمساك بالفوارق الدقيقة التي لا تكاد تدرك، فإن أغلب الأفلام الواقعية البسيطة، لا تتجاهل هذه الفوارق فحسب إنما تصر على استخدام صور حادة وصارخة ومبالغ فيها، والتي في أفضل الأحوال يمكنها فقط أن تجعل الصورة تبدو بعيدة الاحتمال". ومن بين كل مخرجي السينما المصرية، خان هو أحد أفضل من أمسك بهذه الفوارق الدقيقة التي لا تكاد ترى، لا سيما فيما يتعلق بصورة المرأة في أفلامه.

فالمرأة في سينما خان ليست امبراطورة مسيطرة وليست مظلومة مستضعفة، إنها مزيج من كل هذا وأكثر، إنها إنسان يعيش سياقا معقدا يغير موقف العالم منه في كل لحظة عن سابقتها. من نفس المنطلق يمكننا إعادة النظر للكثير من الشخصيات النسائية في أفلام المخرج الكبير من زاوية مختلفة، فعلى سبيل المثال يمكن إعادة تقييم موقفنا من منى بطلة "زوجة رجل مهم"، والتي يراها البعض ضحية لزوج مهووس بالسلطة وضعها في قائمة ممتلكاته دون التفكير في مشاعرها. ولكن إذا أعدنا مشاهدة الفيلم دون أحكام مسبقة، فسنجد أن هشام على الأقل في المراحل الأولى من علاقته بمنى، كان بالفعل زوجا محبا مخلصا يتمنى السعادة لزوجته، بينما كانت هي مراهقة حالمة بالحب، مستعدة لأن تقع في حب شاب يشع ذكورة وسطوة مثل هذا الضابط الشاب. مأزق منى لا يمكن تلخيصه في اعتبارها ضحية، لكنه هو الاخر يقع في نفس مساحة الفوارق الدقيقة التي حولتها من مراهقة تستجيب بسعادة لرغبة ضابط وسيم في الزواج منها، إلى سيدة بالغة تعاني من حرمان عاطفي سببه تحول نفس الضابط بحكم حياته الجديدة إلى شخص أكثر تجبرا، يؤمن أن لديه دائما ما هو أهم من اهتمامات زوجته ورغباتها.

يمكنك بنفس القياس أن تنظر لكل شخصيات خان الأنثوية، وعلى رأسها نوال البطلة الوحيدة التي صدر خان فيلمها "موعد على العشاء" بإهداء موجه لها شخصيا، فهي نموذج مثالي آخر لفهم المخرج الكبير لمأزق الأنثى، فهي امرأة ظلمها كل من حولها، ظلمها الثري الذي أراد الزواج منها فاغتصبها لتقبل رغما عن أنفها، وظلمتها والدتها عندما دعمت هذه الزيجة وسعدت بها، ولكنها رغم تعاستها تبدو قوية، نبيلة، غير مستعدة للاستجابة لدعوات صديقاتها اللاتي يحاولون تبرير خيانتهم لأزواجهم ويدعونها أن تحذو حذوهم. لاحظ هنا أن المحيطين بنوال هم ذكر وحيد والعديد من النساء، فهي وإن كانت ضحية لسلطوية ذكورية واقتصادية إلا أن العدد الأكبر من المشاركين في قمعها ودفعها للخطأ من النساء، بل ونساء يفترض أن يكن أقرب المقربات لها: أمها وصديقاتها، وهي الخيارات التي تؤكد من جديد على تعقد السياق الاجتماعي، وصعوبة التعامل مع مأزق المرأة بمعزل عن المرأة نفسها.

فوزية "موعد على العشاء"، نجاح "مشوار عمر"، هند "أحلام هند وكاميليا"، وردة "الغرقانة"، وغيرهن من نساء عوالم خان، كلهن صور متعددة لاستيعاب المخرج الكبير ومن تعاون معهم من كتاب سيناريو موهوبين لما أوضحناه من تعقد لمأزق الأنثى المصرية، والذي يصعب تخليصه أو وصفه أو الدفاع عنه بأي موقف "حقوقي" يرى الأمور بالأبيض والأسود، فالمرأة في عالم خان لا تبحث عن حقوقها، ولكنها تدافع عن مساحتها من الحياة، وتخوض صراعات مع نفسها ومع العالم المحيط للتمسك بهذه المساحة مهما كانت العوائق التي تلاقيها، وهو موقف لا يمكن أن يتبناه مخرج يرى العالم من بعيد، ولكنه بحاجة لمبدع حقيقي، معجون بالمجتمع ومشكلاته وتفاصيله، قادر على نقل هذه التناقضات للشاشة، ولم يوجد من تنطبق عليه مثل هذه الشروط أكثر من محمد خان.


من دراسة لأحمد شوقي حول "سينما محمد خان"