Thursday, July 19, 2012

مترجم: شيرين عبادي تكتب: من يُعَرِّف الاسلام الحقيقي؟



شيرين عبادي تكتب: من يُعَرِّف الاسلام الحقيقي؟

شيرين عبادي هي سيدة إيرانية تمتهن المحاماة في مجال حقوق الانسان، حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2003، و قد تقلدت منصب رئيس محكمة طهران من الفترة 1975-1979 ثم أجبرت على تقديم استقالتها بعد قيام ثورة إيران عام 1979. أسست جمعية لحقوق الطفل، و لها من الكتب " دراسة الجوانب القانونية لحقوق الطفل في إيران (1994)، و تاريخ و توثيق حقوق الإنسان في إيران (2000)".

تجري معها حوار عن مصير الدول العربية من حركة الثورات القائمة بها و مدى تأثيرها على حقوق النساء بها، دينيز كانديوتي أستاذ الدراسات الشرقية و الأفريقية بجامعة لندن.

تقدم حاليا موجة الاحتجاجات و التظاهرات التي يشهدها العالم العربي عددا من الفرص الجديدة و المخاطر، كأحد المناصرات لحقوق المرأة و المدافعات عنها من خلال معاصرة الثورة الايرانية، كيف ترين تلك الاحتمالات؟ 
أود التركيز على مثالي تونس و مصر من بين الدول العربية، للاختلاف الواضح بينهم، تونس على سبيل المثال، تواجد المرأة في المجتمع المدني قوي جدا، فحكومة الحبيب بورقيبة على الرغم من كونها استبدادية إلا أنها روجت للعلمانية و غيرت عدد من القوانين لصالح المرأة. نتيجة ذلك تجد أن وضع النساء في تونس هو الأفضل بين كثير من الدول العربية فهناك سيدات ناشطات في مجال العمل العام كسهير بن حسن، مثال تقدمي للغاية لامرأة تشغل منصب رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان الفيدرالية، واحدة من أكبر منظمات حقوق الإنسان في تونس.

و ماذا عن مصر؟
تواجدت في مصر منذ ثلاث سنوات في زيارة هالني فيها ما رأيته من ازدياد عدد الشابات المحجبات، اللائي ذكرن أن ذويهن لم يكنوا احتراما لهويتهم الوطنية، كانوا جميعا ضد نظام مبارك، كان هناك أيضا حركات معارضة علمانية لكنها لم تصمد كثيرا ضد التحرش و المضايقات، و لأنك لا تستطيع أن تغلق المساجد، فقد قويت شوكة المعارضة الاسلامية بالمقارنة بأي معارضة أخرى، فصار فصيل الاخوان المسلمين هم الأقوى، و لأن مثال ايران مخيف للنساء، فلكي يبددوا تلك المخاوف، أقروا بأن الثورة المصرية لم تكن اسلامية و إنما حركة وطنية تشارك فيها المسلمين و المسيحين جنبا الي جنب، و أنهم سيدعمون نموذج السلطة المدنية، هل سيلتزموا بوعودهم أم يتغير الموقف؟، لازال الوقت مبكرا للحكم. إلا أن النساء المصريات أكثر حظا لأنهن شاهدن ما حدث في الثورة الايرانية و كيف اختطفتها الحكومة الاسلامية و غيرت القوانين و ألغت المكاسب التي حصلت عليها المرأة، و بالتالي فسيقفن للدفاع عن حقوقهن، فلقد كانت ايران درسا للنساء في المنطقة العربية بأسرها.

بماذا تنصحين الحركة النسائية بمصر؟
أهم نصيحة أتوجه بها لهن هي: لا تدعن أي حكومة تضعكن في موقف التخيير بين الحقوق و الاسلام، لا تدعن أحد يضعكن في هذا العمى. الحكومات التي تأخذ من الاسلام عنوانا لها بتعريفها الخاص تضع الشعوب في هذا المأزق و الاختيار الخاطئ حتما، فيسألونكِ هل تتقبلين القوانين و تكونين مسلمة أم تعترضين و تكونين غير مسلمة؟، تلك هي الطريقة التي انتهجتها حكومة إيران، فالمتدين يصيبه هذا السؤال بالارتباك، لذا لا يجب أن نصل للنقطة التي تعطي فيها الحكومة لنفسها الحق في أن تطرح هذا السؤال. الخروج من تلك الدائرة المغلقة هو بالفهم الصحيح للدين و تشجيع النساء لمعرفة مختلف الآراء الفقهية، حتى يأتي الوقت الذي تقول فيه الحكومة للمرأة هذا هو الاسلام، تستطيع بالحجة أن تعارض.

بالفعل، لكن هناك جهات لها سلطة التحدث باسم الدين الاسلامي، العلماء، فهل لو تعلمت النساء سيكون لهن نفس السلطة؟
إنه من الطبيعي أن يكون خطاب العلماء خطابا أبويا، لكننا يجب أن تسلح بالعلم الذي يجعلنا نستطيع اثبات أن الاسلام شئ مختلف عما يزعمون، قد يكون لهم السطوة السياسية و يرفضون اسهامات النساء لكن دعنا نتذكر أننا نوجه الخطاب لأمة الاسلام، أفراد تلك الأمة هم من يجب إقناعهم أن دينهم لا يتعارض مع طموحهم أو القوانين التي يضعونها من أجل ذلك، تلك هي الطريقة الوحيدة لتحدي شرعية العلماء المحافظين، لأنهم يكتسبون قوتهم من طاعة الشعوب لهم. و هناك أيضا نقطة أخرى، و هي أنه هناك جزءا من العلماء يتخذ جانب العامة و يقدمون لهم فقها مقنعا في الاتجاه المعاكس تماما لما تقول به الحكومة، فيصل للشعب حقيقة أن الحكومة لا تملك حق احتكار الاسلام، و تلك هي بداية استيقاظ الشعوب.

هل تعتقدين أن الحركة النسائية في مصر ومنظمات حقوق المرأة ستكون قادرة على تشكيل تحالفات واسعة؟
لو رأت النساء المصريات أن حقوقهن المشروعة في خطر، حتما سيتحدن في النهاية، ذات الأمر حدث في ايران، في بداية الثورة لم يكن أحد يحب الحديث معي لكن مع مرور الوقت، صار الجميع يتحدث و ربما بأصوات أقوى من صوتي، التجربة تقول أن النساء حين يعانين من الظلم يتحدن في صف واحد.

دعينى أمارس الدور السلبي المتشائم هنا، يوجد الكثير من الدساتير الحديثة في الدول العربية تمنح الرجال و النساء حقوق مواطنة متساوية، لكن بالنظر إلي قانون الأحوال الشخصية، تجدي أن النساء لا يتمتعن بحقوق متساوية في الميراث، الطلاق، حضانة الأطفال، ناهيكي عن موضوع تعدد الزوجات، و بالتالي يمكن الجدال مع ما ذكرتيه سابقا أن تلك الحقوق المهضومة لم تجعل النساء يتحدن؟
دعني أصحح تلك النقطة، لا يوجد دستور في الدول العربية يوافق على منح المرأة حقوقا متساوية، لأنها دائما تستند على أن مرجعيتها من الشريعة الاسلامية، و بالتالي فكل الدساتير لها مظهر المساواة بين الرجل و المرأة لكن تظل القوانين معتمدة على الشريعة، و الشريعة يفسرها من هم في السلطة، فيبقى السؤال الذي لا يجد إجابة دائما، من يُعَرِف الاسلام؟

نحن الآن نشهد صياغة دساتير جديدة. كمحامية هل تعتقدين أنه من الممكن أن تكون تلك الدساتير قادرة على معالجة عدم المساواة للمرأة؟
كل هذا يتوقف على العملية السياسية، فالأحزاب السياسية لها دور هام في هذا الصدد ولكن المشكلة في البلدان الواقعة تحت الحكم الاستبدادي لسنوات هو أن الأحزاب السياسية لا تملك تلك الكمية من الطاقة، من ناحية أخرى، يجب أيضا أن نأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن الحصول على حقوق مثالية في مجتمع مرة واحدة، بل هي عملية تدريجية. على سبيل المثال، ما حصل في أفغانستان، كتبوا دستورا جديدا منح المرأة حصة في البرلمان، لجلب النساء من العزلة السياسية في العالم. لكننا شاهدنا أنه عندما خرجت المرأة للحديث عن حقوق المرأة في البرلمان، أجبرت على الخروج من البرلمان، في الواقع، فقدت حصة النساء معناها. فمن الممكن أن نتصور أن نتمكن من كتابة الدستور المثالي، لكن هل سيصاحب ذلك تغييرا في القانون؟ أشك.

إذن ما تريدين قوله، أن القانون يصبح فاعلا فقط حين يصبح المجتمع جاهزا له؟
بالطبع، لذلك كمحامية أرى أن القوانين لابد أن تهدف لتطور المجتمع، و تسبق ثقافة أفراده بخطوة للأمام، خطوة واحدة فقط حتى لا تكون مجرد حبرا على ورق، لذا فالقائمون على عملية إعادة كتابة القوانين لابد أن يكونوا على علم واف بطبيعة مجتمعاتهم حتى لا يكتبوا أهدافا مستحيلة التحقق.

كمحامية عن حقوق الإنسان، أتصور أنكِ تأيدين أهداف المساواة بين الجنسين المنصوص عليها في الصكوك الدولية. هل تعتقدين أنه من الممكن سد الفجوة بين الحقوق الممنوحة للمرأة في الأطر العالمية لحقوق الإنسان والأطر القانونية الحالية للبلدان المسلمة؟
نعم ، ولكن هذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية تدريجية. مثال، مجتمعات مثل البحرين أو ليبيا حيث تعدد الزوجات أمر شائع، كيف يمكنك تغيير هذا القانون بين عشية وضحاها والحظر التام لتعدد الزوجات؟، الخطوة الأولى هي تمرير قانون يؤكد أن القرآن ينص على هذه الممارسة فقط عندما يمكن تأسيس العدالة المطلقة بين الزوجات، والعدالة لا تتكون فقط من المال والدعم المادي ولكن أيضا من الحب والرعاية. هكذا، يمكن أن يظل تعدد الزوجات لكن بشروط أكثر صرامة، ويكون للزوجة التي تزوج عليها زوجها الحق في الحصول على الطلاق. هذا ليس قانونا مثاليا، بل هو في الحقيقة بعيد كل البعد عن المثالية. ولكنه الخطوة الأولى لجعل المجتمع أكثر استعدادا لقبول مزيدا من التغييرات. أما التغيير الفوري فلن ينتج إلا تزوج الكثير من الرجال دون التسجيل القانوني لتلك الزيجات، و ستبقى النساء صامتة. وأكرر، لا يمكننا كتابة القانون يغير كل شئ بين عشية وضحاها، وإلا ماذا سيكون مصير هذا القانون؟ و هل سيراه الناس في صالحهم؟. إن واجب المحامي أن يعرف جيدا طبيعة المجتمع الذي يسن له القوانين، وفي الوقت نفسه الأخذ في الاعتبار جميع معايير حقوق الإنسان من أجل توجيه المجتمع في هذا الاتجاه.

عندما تقولين "المجتمع" ليس مستعدا، هل تعنين أن الرجال ليسوا على استعداد؟ أم أن العديد من النساء قد يعترض على قانون حظر أو تقييد تعدد الزوجات؟
نعم، تعدد الزوجات أمر خطير مجتمعيا ولكنه يروق للرجال! سأطرح عليكِ السؤال التالي : من أين تأتي السلطة الأبوية؟ هل يتعلمها الرجل من والده فقط؟  أم من رؤيته لطاعة أمه و رد فعلها لاحقا بالذهاب بعيدا لتبكي بهدوء؟ للأسف، أحد حاملي الثقافات الأبوية هن من النساء ، على الرغم من أنهن يقعن ضحايا لذلك. أقارن هذا بمرض الهيموفيليا، سيولة الدم، مرض وراثي ينتقل من الأم إلى الابن، كذلك هي الثقافة الأبوية. حجتي هي : لا تعامل البشر كضحايا ولكن أخبرهم بالمسؤولية التي تقع على عاتقهم لمحاربة تلك الثقافة، و عندما ترى النساء كضحايا فقط، فأنت تتناسى مسؤوليتهن.

سؤال أخير خاص بهذا السياق، لقد تحدثتِ عن ضرورة وجود عملية تدريجية لإصلاح القانون، ولكن هذه العملية مستمرة بالفعل منذ مدة طويلة جدا، على سبيل المثال، اقترح القانون المدني العثماني قانونا منذ فترة طويلة في نهاية القرن 19 يجعل تعدد الزوجات أكثر صعوبة ومشروطا بموافقة الزوجة الأولى، و جرت  اصلاحات مماثلة  في أجزاء كثيرة من العالم المسلم، لكن الخميني كان قادرا على عكس كل تلك الجهود بين عشية وضحاها؟
لا ، لم يغير الخميني القوانين بين عشية و ضحاها و إلا لم يكن ليتواجد أناس مثلي، لقد تغير القانون لأنهم كانوا يملكون السلطة السياسية. لكن المجتمع لم يقبل ذلك، لهذا السبب، حمل الناس حيواتهم على أيديهم وحاربوا ضدها. في البداية لم نكن أعدادا كبيرة لسببين، أولهما سبب سياسي، فكان اليسار وبعض الاحزاب العلمانية تقول أن هذا لم يكن الوقت المناسب لمناقشة هذه المسائل، و أن هذه القضايا الهامشية من شأنها أن تبعدنا عن أهدافنا الرئيسية. و دعى أكبر حزب يساري في إيران النساء لارتداء الحجاب، الذي لم يكن للغرابة اجباريا في ايران و كانت ترتديه فقط النساء اللائي يعملن في الهيئات الحكومية، ولكن في الشارع  كنا نستطيع السير دونه. السبب الثاني هو أنه كان هناك عددا أقل من النساء المتعلمات مقارنة بالآن، وكان رأي الأغلبية متكون في معظمه من النساء التقليدية. تدريجيا خرجت المرأة التقليدية من المنازل، ولدت الحداثة في الشوارع، و المرأة التي تخرج إلى الشارع لا يمكن قمعها، المرأة الجامعة لا يمكن قمعها، المرأة التي تعمل و تتقاضى أجرا لا يمكن قمعها. لذلك ، زاد مؤيدونا تدريجيا و النساء اللائى كنّ في بداية أعدائنا هن الآن أكثر راديكالية منى، وأنا سعيدة بذلك. كنت أشعر بالوحدة في بداية الثورة، لكن الآن أعتقد أننا الأغلبية. ولم تنجح الفصائل الموالية للخميني لنشر ثقافته الموحدة القسرية.

في إجابة سؤالك الماضي ذكرتِ دعوى الأحزاب العلمانية أن حقوق المرأة هي مسألة ثانوية، وأنه ليس هذا هو الوقت المناسب لوضعها على جدول الأعمال، وكذلك سلبية بعض النساء التقليدية في العالم العربي، هل تعتقدين أن الطريق الذي مضت به إيران هو الطريق المقرر على كل نساء البلاد العربية؟
لا يجب علينا جميعا أن نعيد اختراع العجلة، لابد من التعلم من تجارب البلاد الأخرى، و هنا تأتي فائدة ثورة الاتصالات بين الدول و لهذا يكرهها الحكام بشدة.

إذن فأنتِ متفائلة بشأن مستقبل الحركات النسائية  المناصرة لحقوق المرأة في تونس ومصر؟
نعم أنا متفائلة تجاه الوضع، ربما في تونس أكثر من مصر، لكن على أي الأحوال سيحصلن على حقوقهن، و إن بعد فترة من الوقت، لكنه حتما سيحدث.

هل ترين يوما ممكن أن تخرج فيه مظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة تضم الرجال بجانب النساء؟
نعم، وبالتأكيد في ايران، لقد كان لي بعض الزبائن الذكور الذين جاءوا لمظاهرات النساء، و تم القاء القبض عليهم و زج بهم في السجون. إن الكفاح من أجل حقوق المرأة والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، والنساء اللائى يناضلن من أجل المساواة في الحقوق هن جزء من نسيج الديمقراطية. لقد فهم الرجل الايرانى هذا و أدرك أن الانتصار لحقوق المرأة هو بداية الديمقراطية.

لقد احتشد النساء في الشوارع العربية من خلال الاحتجاجات في شارع بورقيبة في تونس، وميدان التحرير في القاهرة. ولكن حدث هذا من قبل. ما هو الضمان أنهم لن يدعين للرجوع للمنازل مرة أخرى بعد تغيير النظام؟
لا يوجد أي ضمان، و تلك هى تجربة المرأة الإيرانية التى تناضل من أجل حقوقها لمدة قرن الآن. الضمانة الوحيدة هي إرادة الشعب في بحثهم عن الحرية.
ترجمة: نهى العربي
لقراءة الحوار بالانجليزية
http://www.opendemocracy.net/5050/shirin-ebadi/shirin-ebadi-who-defines-islam

No comments:

Post a Comment