عزيزي الرئيس د مرسي/
ألهمتني إيف إنسلر لكتابة هذه الرسالة، فلقد كتبت
هي رسالة مماثلة بالهافنتون بوست لتود أكين عضو الحزب الجمهوري و أحد ممثلي الهيئة
التشريعية عن ولاية ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية. رأى أكين من وجهة نظره أن
الدولة لابد أن تلغي الدعم الطبي الذي تقدمه للنساء اللائي تعرضن لجرائم اغتصاب من
أجل الاجهاض، فالمتعرضة للاغتصاب –عن رضا منها- لا يجب أن تحصل على دعم الدولة
المادي لتجهض نفسها، و عليه بدأ ينظّر في تعريف الاغتصاب و يبدو أنه أراد إثبات
رأيه بمثل ما فعل أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة، فالمرأة لا تغتصب إلا برضاها و ربما
شرح مستخدما نظرية زجاجة الحبر و القلم و هكذا
ما لفت نظري بالمقال أنها ذكرت مصر كمكان
محتمل أن تكتب منه رسالتها، فهي تقول "أنا الآن في الكونغو، لكن كان من الممكن
أن أكتب رسالتي من أي مكان بالولايات المتحدة الأمريكية، جنوب أفريقيا، بريطانيا،
مصر، الهند، الفلبين أو معظم الجامعات بأمريكا، كان من الممكن أن أكتب من أي مدينة
أو قرية حيث تتعرض أكثر من نصف بليون سيدة على هذا الكوكب للاغتصاب على الأقل مرة
واحدة في حياتهن.
لقد اشتركت مصر أخيرا مع الولايات المتحدة
الأمريكية في أمر ما، ألا و هو الاغتصاب، لكن على أي حال لن نذكر ذلك حتى لا نكون
بذلك نسئ لسمعة البلد، و لا نعطي فرصة لقيادتكم الحكيمة في إدارة أمور البلاد و لا
نهوّل من الأمر فالاغتصاب على أي حال ليس بالأمر المنتشر لأننا مهتمون أكثر
بالتحرش الجنسي بكل أشكاله و أنواعه و تقنياته.
لكن يبدو أن الأمر جليا للعالم كله إلا نحن،
فشهادات التحرش و الاغتصاب تتوافد علينا منذ سنوات، و لا أحد يهتم، صارت الأعياد
مرتبطة عندنا بالتحرش و لا أحد يتحرك، إنه ليس وقته على أي حال، مسيرة التقدم أهم
و لنؤجل قليلا هذه القضية التي يعاني منها نصف المجتمع.
دعني أحدثك قليلا سيادة الرئيس عن التحرش:
فالأمر هو عبارة عن تعرية كاملة لكل امرأة حاليا سواء كانت في طريقها للذهاب
للعمل، الجامعة،...الخ و سواء كانت داخل المواصلات، تسير على قدميها أو في أي مكان
آخر، و السن ليس مهما، إمرأة كانت أو طفلة صغيرة، و درجات التحرش تبدأ من التحرش
البصري (نظرة طويلة متفحصة متطفلة لجسد المرأة حتى تمر من أمام المتحرش ليصرف نظره
لمتابعة أخرى) التحرش لفظي (سيل من الألفاظ النابية و وصف دقيق للأعضاء و الأفعال الجنسية)،
التحرش الجسدي (لمس أي جزء يطاله المتحرش يتطور لما هو أسوأ لو كان المشاركون أكثر من
فرد فهم كفيلون بالوصول لدرجة الاغتصاب) بالاضافة لأنواع أخرى لا يتسع لها مقام
الحديث، في النهاية الشعور الذي يبقى معنا في أي حالة يشبه تقيؤ وجبة كاملة في مرحاض
عام قذر ملئ بمخلفات الصرف الصحي مع كراهية مزمنة للجميع، أليس هذا بشعور إيجابي للمواطن
العامل ستستفيد منه الدولة العميقة و هي تبحث عن مستقبلها الرائع؟
لقد ذكرت إيف إنسلر في مقالها لتقرّب معنى
الاغتصاب للعضو المنتخب بأن يتخيل نفسه في نفس الوضع، مقيدة حركته في مكان صغير،
ليس به هواء، و يتم إنتهاك أقدس مساحة
شخصية لديه و هي جسده، و تستمر هي في الوصف الذي ربما سيعتبره الكثيرون سوء خلق
مني إن اتبعت مسارها و وجهت نفس صيغته إليك، أو تغريبا أصاب هويتي لأفقد حيائي في
معالجة هذا الأمر و جعلني أقتبس من كاتبة أجنبية سافرة، أو أحاكم بتهمة التحرش
بالرئيس لفظيا أي من هذا الهراء لأنه في مجتمعنا المتدين لا نهتم بتفاصيل المشكلة الحقيقة
قدر ما نذهب لانتقاد أي شئ آخر بعيدا عنها لتستمر حالة النكران الأزلية التي
نحبها.
أعتقد
أن الصورة لن تختلف كثيرا إذا ذكرنا للمقارنة هنا ما يحدث في المعتقلات مثلا، كما
كنا نقرأ في شهادات أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي،
لكن حتما سيكون هذا اقتباسا و مقارنة فاسدة فلابد أن أوجه حديثي للرئيس ليس بحكم
أنه أخواني (سابق) لكن بصفته رئيس الجمهورية لكل المصريين و المصريات، كما أن
السياق الذي أستند إليه في حجتي مختلفا، فهذا المعتقل كان يدافع عن قضية كبرى أما
من تتعرض للتحرش فهي تدافع عن قضية صغرى (حرمة جسدها) و الأغلب أنها المخطئة كما
يتفق ضمنيا الجميع كما أن نسبة العنف مختلفة فلابد أن نبدأ في مناقشة العنف
المجتمعي ضد المرأة بداية من 21 غرزة و إصابات و رضوض متعددة و ليس مجرد فعل تحرش
بسيط.
لذا سيادة الرئيس فبعد أن نسوق كل الحجج و
المبررات للتحرش، سواء كانت متبرجة أو أن الشاب أو المراهق الذي فعل ذلك لا يقدر
على الزواج فلم يستطع أن يتحكم في أعضائه و أي سبب آخر مريض قد يصدر من رجل أو
سيدة أو عضو/ة مجلس شعب مثلا يدافع عن انتهاك أجساد الآخرين دون حق، فأنا أطالب
كمواطنة مصرية لها حقوق أن تفعل أجهزة الدولة شيئا حيال هذه المشكلة، أطلب ذلك دون
نداءات الاستعطاف و البكاء على الرجولة المنتحرة و أخلاقيات المجتمع المصري التي و
ياللأسف اختفت تماما أو أستعين بأي قصة من تاريخ سابق لحرب البسوس أو الهكسوس لأثبت
أنه من حق الانسان أن يطالب بألا تنتهك حرمة جسده بالشارع على مرأى و مسمع من
الناس يوميا أو ذكر أن المرأة هي مصر و مصر منتهكة و مغتصبة و أنت فارسها فلتهب
لحمايتها، هذا حديث مبتذل لا أجيده و لا أرى له فائدة فأنا أريد استراتيجية واضحة
لمواجهة تلك المشكلة، لماذا تكون قضايا الفقر و البطالة و الازدحام المروري أهم من
قضايا المرأة؟
إن كل الوقفات الفردية و جهود المجتمع المدني
تجاه هذه القضية ليست كافية لحل تلك المشكلة الحقيقية و الواضحة، كما لم تحل نفس
الجهود الفردية مشكلة القمامة أو الكهرباء و لن تحلها خطبة عصماء تشير أن سبب تلك
الحوادث "الفردية" هي مجموعات البلطجية المنظمة التي تسعى لزعزعة استقرار
الوطن.
أنا
أريد خطة واضحة مبتكرة من مسئولي الدولة فهذه وظيفتهم، حملة إعلامية تساعد المرأة
على فهم حقوقها و الخطوات التي عليها اتخاذها فور التعرض لحادثة مماثلة فلن نقضي
أعمارنا نفكر في نوع الأسلحة الصغيرة التي يجب أن تتضمنها حقائبنا أو قضاء الوقت
في الاقسام لعمل المحاضر، و ربما ستساعدنا قوات الأمن بعد أن يفصل الظابط بين نوعه
كرجل و بين وظيفته في حماية المواطنين، فلا يقوم هو بالتحرش أولا و يعلي من قيمة
العرف المجتمعي فوق القانون لنسمعه يردد جملة "متعمليش محضر و تفضحي
نفسك" ثانيا.
لقد أنهت الكاتبة مقالها بأن العضو المنتخب الذي
يعمل ضد حقوق النساء قد أعطى لهن سببا جيدا ألا ينتخبنه مرة أخرى و أن يتحدن، و
على قدر ما تبدو هذه جملة قوية في سياقهم و ضعيفة في سياقنا إلا أنها تدعو للتأمل و
تستحق التفكير و مخاطبة كتلتنا التصويتية التي سادت كل طوابير الانتخابات السابقة
في كيفية الاختيار مرة أخرى.
إذا
سيادة الرئيس، ماذا كنت لتفعل لو تم التحرش بك جنسيا؟