Monday, April 22, 2013

قاع المشكلة

حمدين صباحي ف أون تي في مش حاجة عظيمة الصراحة..
بس طبعا مبهر زي الزعماء اللي بجد بالمقارنة بسي خرا..
طبعا الحكم دا مش مقنع بالنسبة للفئات المؤيدة أكثر لمورسي: الأكبر سنا، الصعايدة، زي ما جا ف استطلاع رأي. سي خرا مقنع للناس بتوعه عشان يشبههم، وعشان هما طول الوقت بيتصرفوا زيه كدا.. مزيج من الجبن والتظاهر والكذب الملاوع والكلام الفاضي والتكالب على كل تعريفة بأي ثمن وداري على شمعتك تئيد ولو لك حاجة عند الكلب قول له يا سيدي وطاطي عشان تعلا، واتمسكن لحد ما تتمكن.. واللي بيخاف م الكبير ويستغل الصغير هو اللي يبقى عمده
 
شريف يونس
..........................................................
الشباب المصري والعربي بيمارس العادة السرية لكن عندما يتم عمل فيلم عن شئ كهذا أصبحت سفالة وعهر وخروج عن الدين !!!! .. المصريون يكرهون أنفسهم ويخشو بشدة من رؤية وجههم الحقيقي علي الشاشة ! ... أنا شخصيا تعرضت لإيذاء نفسي بسبب الفتاوي وآراء الشيوخ في فترة المراهقة .. طبعا لا وجود لصداقة مع الجنس الآخر ولا أدني علاقة بدعوي العيب والحرام وحتي متعة العادة السرية بالتأكيد هي حرام ... ولا يتوقف الأمر عند هذا ... قصص مرعبه عن خطورة ممارستها وأنها تسبب الضعف الجنسي وضعف الإبصار وضعف كل شئ و قصص عن فلان الفلاني الذي مات وهو يقوم بها وفلان الفلاني مات وهو يشاهد أفلام إباحية و الرب الرحيم بالتأكيد سيحرقة في النار ويبعث علي هذا الفعل .. و قصص أخري عن عذاب القبر والسخافة والهراء كان حقيقة في عقلي في هذا الوقت .... لحظة المتعة التي تختلس في غفلة من السجانين يعقبها ندم وإكتئاب وبكاء وتضرع لله وهكذا ونفس السيناريو يتكرر مرة ومرتين وألف ... هذه هي فترة المراهقة في بلد عربي .. هذه هي البيئة التي يصنعها الدين ورجالة ... وحتي الآن ما يقال لنا ونحن أطفال مهما حاولت أن تتناسي ومهما أصبحت عقلانيا تترك أثرا وعقد نفسية .. في نفس القضية لكن من جهة أخري.... الرجل الذي يعاني من إنه تزوج زواج تقليدي ولا يحب زوجته هو نفس الشخص الذي يمنع إبنته أن تحب وأن تعشق و نفس الشخص الذي يعاني من البرود الجنسي عند زوجته هو نفسه من يقطع جزء من جسد إبنته لإعتقاد سخيف ومتوارث .. وكل هذا العبث ما هو إلا محاولة منهم لكي يحترمو أنفسهم ولو قليلا فالغرب ودول الكفر متقدمة في كل شئ فكل هذه الأفعال وتكبيل الجنس والحب في بلادنا ليشعرو بشئ من النبل وأنهم أطهر وأنهم أمة الأخلاق .
 
محمد
...........................
 
أعتقد إن المتحدثين في اذاعة القرآن الكريم لو توقفوا 3 ثواني قبل ما يقولوا أي جملة و بعدين أدركوا إن دي سنة 2013 ممكن يخرج منهم كلام عاقل بعد كده...فكرت في ده انهارده في درس الصدق اللي كان بيقوله الراجل و بدأ حديثه بأمثلة الكذب المباح زي إن عدو يسألك عن تفاصيل بلدك (هو مستنيك فعلا) أو إن واحد يقول لمراته انتي حلوة (المثل ده بيتقال من يوم ما اتوجدت على الأرض مع العلم انه متغيرش أبدا في ان الست هي اللي تقول لجوزها انه وسيم مثلا ده) المهم ان الامثلة دي تلاها الحديث عن الصدق..فصام مبالغ في حدته!
 
أنا
 

 

Wednesday, April 17, 2013

حوادث

اليوم : الاثنين
التاريخ : 2013-4-15

الحدث :
حوالي الساعه 8 مساءاً كده سمعت صوت زعيق جامد في الشارع خرجت البلكونه لقيت كميه لا حصر لها من الرجاله و الشباب ملموم...
ين حوالين حد مش قادره أوصله بنظري خالص من كمية الناس اللي حواليه و كل الناس بتحاول توصل للشخص اللي جوه الدايره دي عشان يضربوه .. و فجأه جريوا كلهم بالشخص و نقس الكثافه و التكدس حواليه .

و بما إني ساكنه في مكان إلى حد ما شعبي و بنشوف خناقات كتير بس عمرها ما بتبقى بالكثافه و العدد الغريب ده , بعد ما مشيوا نزلت أعرف كان في إيه من البوابه .
نزلت لقيت البوابه بتاعتنا دايخه و منهاره كلياً و بتعيط . فضلت معاها شويه لحد ما هديت و بدأت تحكي ..

اللي كان جوه الدايره دي " بنت ، ملط تماماً " كانت في شقه مع شباب و البوليس دخل فـ قررت إنها تنزل من البلكونه كما هي " ملط " و جريت كده في الشارع عشم منها إن حد يسترها .
و اللي حصل إن كل الرجاله إتلمت عليها بالمنظر اللي أنا شوفته و كانوا " بيحسسوا " اللي يلحق يحسس ع اي حاجه يلحق ، واحده قالعه في الشارع !
البوابه بتاعتنا رمت عليها ملايه بس قطعوها من عليها !
كانوا بيغتصبوها بإيديهم و بعيونهم و بلسانهم .

أنا مش مستوعبه اي حاجه من وقتها ، كل اللي حاسه بيه إن نفسي أنزل الشارع بتاعنا و أجيب كل نطع حط إيده عليها و أطبق عليه زي ما بيقولوا شرع ربنا و أقطعهالوا

صدقوني : كمية النطاعه و القرف اللي بقينا فيهم خلتني أتعاطف مع " عاهِره " بدل ما أقرف منها ، خلتني أسب و ألعن الحياه كلها

أنا قرفانه من كل حاجه ، كل حاجه ، من شارعنا اللي خذلني في يوم من الأيام بردو و كل يوم بيثبتلي إنه مفيهوش راجل ، من كمية النطاعه اللي بقت في الناس ، من القرف اليومي ، من كل حاجه

كل اللي في بالي إني نفسي أعرف البنت دي فين دلوقتي و أروحلها
أنا مُتعاطفه مع العاهِره يا مجتمع وسخ !
 
ميرال محمد
 
...........................
أستاذة «بعين شمس»: هناك تواطؤ من إدارة الجامعة في قضية التحرش بالطالبات
 
قالت دكتورة ليلى أبو المجد رئيس قسم العبري بجامعة عين شمس، اليوم الثلاثاء أن هناك تباطؤ في سير التحقيق في قضية التحرش بالطالبات.
وأضافت في مداخلة هاتفية للإعلامي جابر القرموطي في حلقة اليوم من برنامج «مانشيت» أن هناك تواطؤ من إدارة الجامعة بدليل أنه رغم تقديم جميع المستندات التي تدين هيئة التدريس في التحرش بالطالبات إلا أنه لم يتم حتى الآن أي تصرف قانوني ضدهم بحجة أنه لا يوجد إذن نيابة وهو الشئ المحزن المضحك في نفس الوقت.
وأوضحت دكتورة ليلى «أن إحدى الطالبات صورت احد أفراد هيئة التدريس في وضع مخل وهو عار تماما ويعرض نفسه على الطالبات في «المحادثات» على النت والفيديو يعد دليل قوي ولكن المفاجأة أن الأساتذة المتهمين في هذه القضية هددوني برفع دعوى قضائية كرد شرف لهم» وتطرقت في حديثها إلى أحداث البلطجة التي وقعت في جامعة عين شمس مؤخرا.
و قالت «أن البلطجة التي حدثت مؤخرا جزء من منظومة الفساد داخل الجامعة ولجأنا للإعلام بسبب تباطؤ الجامعة في التحقيقات وعلاج الفساد وفي النهاية تستعين الجامعة بلجنة من خارج الجامعة للتحقيق في قضية التحرش» وأكدت دكتورة أبو المجد أن هناك تعنت ضد الطالبات اللاتي تقدمن بالبلاغ ضد الأساتذة ولكن الطالبات أصروا على إستكمال القضية ولن يتنازلن عن حقهم.

مصر

Tuesday, April 9, 2013

تودد...أو الثورة التي لا تؤنث لا يعوّل عليها (3-4)/ د. عبد الله البياري

الجزء الثالث
 
إنَّ القصيدة رَمْيَةُ نَرْدٍ
علي رُقْعَةٍ من ظلامْ
تشعُّ، وقد لا تشعُّ
فيهوي الكلامْ
كريش على الرملِ /

لا دَوْرَ لي في القصيدة
غيرُ امتثالي لإيقاعها :
حركاتِ الأحاسيس حسّاً يعدِّل حساً
وحَدْساً يُنَزِّلُ معني
وغيبوبة في صدي الكلمات
وصورة نفسي التي انتقلت
من أَنايَ إلى غيرها
واعتمادي على نَفَسِي
وحنيني إلى النبعِ /

لا دور لي في القصيدة إلاَّ
إذا انقطع الوحيُ
والوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهدْ
م.درويش – لاعب النرد


إذا كانت "أعظم خيانة يرتكبها الكاتب أن يصوغ الحقيقة الصعبة في عبارة رخيصة"فـ"الشاعر مأخوذ بكل علم ... لاتساع الشعر واحتماله كل ما حمل ... وإذا كان الشاعر (مطبوعاً) لا علم له ولا رواية ضل واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلب المعنى فلم يصل إليه وهو ماثل بين يديه لضعف آلته".




فإذا كانت "الرؤيا" و"الكشف"  و"الحفر" في النفس والأشياء  من ملامح الشعر الحديث، بعد تجاوزه –دون إفراط- الإطراب والغنائية بمفهومهما الحسي، أدركنا مدى الحاجة الشعرية للاساليب الرمزية والأخيلة الشهرية المنطلقة الغرائبية والترميز المكثف والحر والتخييل في البنية اللغوية والشعرية، وهو نتيجة لـ"لغة التخيل" الأنثوية الجذر أكثر مما تفعله "لغة الإخبار" الذكورية الجذر، فلغة التخيل أقرب ما تكون للغة "الكشف" بالمصطلح الصوفي ، تلك التي تحمل معاناة البحث والتساؤل في الآفاق الغريبة حتى عليها وفيها، لغة تساءل الذات والموضوع معاً، تحفر في الواقع من أجل قراءة تأملية تجاوز موصوفاته المدركة أولياً، فتدرك علاقاته المباشرة وغير المباشرة، في تأثير "مرآوي" لنزوع الوجدان الصوفي في حالة "الإستجلاء"



– إستجلاء الكون- إلى "الفناء".

وهو تماما معناه مالارميه بقوله للمصور ديجا: "عزيزي ديجا، إننا لا نصنع من الأفكار شعرا ، بل من الكلمات". فقد كان ديجا يجد صعوبة في كتابة الشعر على هامش فن التصوير (وللثنائية هاهنا دلالتها) الذي يحترفه، فوجه سؤال إلى مالارميه :"إن حرفتكم حرفة مضنية. أنا لا أستطيع أن أقول ما أريد ولو كنت مليئاً بالأفكار".وبالتالي فالفضاء الجمالي الذي تنتجه "اللغة التخيلية"، ليس من باب الثمالة الجمالية شعرياً أو التجميل اللفظي والتخيلي فقط، فذلك المنحى هو انعكاس لـ"وشاكة إنمحاء الفطرية في عالمنا المعاصر بسبب ماديته وآليته وتعقيداته"، فتلك القيم السائدة في عالمنا هي قيم مادية صلبة لايمكن مقاربتها إلا بلغة إخبارية كونها قيم كمية، وليست قيماً روحية متجاوزة تجب مقاربتها بلغة تخيلية، لذا أصبح التخيل والمكاشفة اللغوية تعويضاً جمالياً قيمياً وروحياً.
حيث يفسر السياب هذا التوجه الشعري الحديث للتخييل بتوظيف عديد الأدوات التخيلية، بأن القيم السائدة في عصرنا هي قيم ليست شعرية، وأن الكلمة العليا فيها ليست للروح بل للمادة، لذا "فالتعبير الماشر عن اللاشعر لن يكون شعراً".
فالشعر –وكذا بقية الفنون- الذي يعتمد التخييل في اللغة، يؤسس لدرامية تخفف الغنائية الشعرية، وللترمي الذي يمنع سقوط النص في المباشرية والوضوح الساذجين، فيما يعد انعكاساً فكرياً لعصور الانحطاط الفكري والتأملي. 



وبالعودة لفكرة "الفناء"، لا بد لنا أن نتذكر المقولة الصوفية: "تمام الشيء مبتدأ نقصانه"، فيبدأ "التكون" حينها مع تمام –أو قرب تمام- "الفناء"، أوليست تلك خاصية الأنثى بامتياز؟ فهي التي تمنح الحياة من الموت، ويتكون الخلق فيها من صميم الفناء أو على شفيره، وتتجدد الحياة من مواثيق الفناء في الجسد الأنثوي.

ولكن كيف لذلك أن يكون شعراً ، و قد إنتهى عصر "ربة الشعر" فصار "شيطان الشعر"؟ أوليس "الشعر جمل بازل" والجمل البازل هو الفحل المكتمل، فكان "إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فإذبحوها"، كما قال الفرزدق في إمرأة قالت شعراً؟
لعل تلك الحاجة إلى تأنيث الشعر ملحة في عصرنا، لإكمال التحرر الشعري واللغوي من السيطرة الذكورية عليه كنسق حي ومؤثر ثقافياً وحضارياً، لم نر فيه بعد الخنساء شاعرة لمدة تربو على الـخمسة عشر قرناً من الزمان، وإن كانت الخنساء محض انتصار ذكوري شعري –كما أسلفنا سابقاً- ، بكت باستخدام الشعر
الظل الذكوري الذي أبت الثقافة الذكورية الفحولية البدوية أن تخرجها منه إلا بموت صاحبه صخر.
فالشعر "ساحة تستوعب مايطرح من المسائل الفلسفية وقضايا اللاهوت وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا فضلاً عن السياسة والأسطورة والتاريخ" وبالتالي فهو – الشعر- "خطاب معرفي حقيقي". باعتبار ضرورة الربط بين الشعر والفكر والفلسفة، بما لا يمكن فضه، لأن ذلك "لايناقض العامل الحضاري وحسب، إنما يناقض إلى ذلك معنى التجربة الشعرية" والتجربة الشعرية هي في ذاتها متجاوزة لذات الشاعر/الرائي إلى نبوءة تتعالى عن شخصه إلى كامل شرطه ومحيطه الحضاري مكوناً الذات والآخر أياً كان الآخر : محيط ، كون، إله... وأنثى.
إن في ذلك التحدي الكبير حضارياً وتاريخياً فيما يتعلق بالشعر ولغته، هو ما جعل الثقافة بنسقها الذكوري تكشف عن أنيابها إزاء أهم مسّ أنثوي تحرري ثوري شعرياً، جعل من الكوليرا التي أصابت مصر عام 1947 ، أقل كثيرا من تلك "الكوليرا" التي أصابت عامود الشعر الفحولي على يد نازك الملائكة في متن



فعلتها الشعرية التي كانت تحت نفس الغسم في نفس العام.

فقد حرضت "الملائكة" في شعرها على الثورة، و"الشعر محض ثورة"، فأججت في بحور الشعر عاصفتها و ثورتها، وأغرت بحوراً ثمانية من بحور الشعر بالإنقلاب والإنضمام تحت رايتها المؤنثة، لتروض في الشعر "شيطانه الذكر"، ليخرج التأنيث من عتمة الحكي إلى نور الكتابة، ولينكسر عامود الشعر الفحولي، ليمسي الشعر"حرية" وليس فقط "حراً".
تلك البحور الثمانية التي استجابت لنداء "الملائكة" هي "الرجز" و"الكامل" و"الرمل" و" المتقارب" و"المتدارك" و"الهزج" وإنضم إليهم "السريع" و"الوافر"، طاعنين بالاقحوان منابع الأشكال حيث الحضور الأصم الثابت ...الذكر.
كيف للغة الشعرية أن يكتمل صلصالها التخيلي/الكشفي من دون تلك البحور الثمانية التي تحمل صفات الجسد المؤنث، تلك الصفات التي تشترط الحياة ومنحها من حدود "الفناء" و"النهاية"، فكل تلك البحور مرآة للجسد المؤنث، مرنة تزداد وتنقص حسب شروط الحياة المتوالدة أقحواناً في متونها وأرحامها، بإنبثاق جسد من جسد ومعنى من معنى وصوت من صوت، ثم يعود ليتقلص فيلعو فيه "النبر" و"النزف" دونما أن يفقد حياته. إن تلك البحور الثمانية التي إنضمت لحملة "الملائكة" وثورتها على سلطة العرش/الذكر وكأي ثورة لابد لها أن تنطلق شرارتها من الشعب، فكانت تلك البحور"الأكثر شعبية وتواضعا وقرباً للناس ومنهم وإليهم، وفيها البساطة والليونة والخفة".
أما البحور الأخرى، فهي بحور الفحول، بها من سمات الفحولة جهوريتها وصلابتها، واستوثاق تقاسيم الذكورة الجسدية واضح فيها، فهي لا تقبل التمدد ولا التقلص، فلغتها الشعرية ذكر فحل، "وكونه عموداً صلباً راسخاً لا ينزف ولاينتفخ".


 "مزجت بين النار و الثلوج –
لن تفهم النيران غاباتي ولا الثلوج




وسوف أبقى غامضاً أليفاً
أسكن في الأزهار و الحجاره
أغيب 
أستقصي
أرى
أموج
كالضوء بين السحر و الإشارة"


أدونيس – "الإشارة" من ديوانه "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل"




إن تحالف "الملائكة" مع النصف المؤنث من بحور العروض، هو عين الثورة وإعلان الرفض الحاسم، على النسق الذهني المذكر الذي يعتمد عليه الشعر، ومحاولة تكسير العمود الذكوري في الشعر الأقرب للفكرة الأداتية للقضيب. وقد كان للملائكة ما أرادت، وهو مايعد انتصاراً للقصيدة الحديثة يسمح لها بأن تتجدد وتتحرر وتنعتق، فكان ماسمته "الملائكة" "الشعر الحر"، و إن كانت قد أسمته -هي نفسها- في مواضع أخرى "شعر السطر الواحد"، وهو مايستدعي في أذهاننا تفسيراً لقلة التوجه الشعري إلى "التشطير" حتى ولو بداعي "التقسيم الموسيقي الداخلي"، لما في ذلك من إعلان هزيمة ذكورة أمام البنية الذكورية المهيمنة.
إلا أن كل تلك المسميات –"الشعر الحر" و"شعر الشطر الواحد"- وماتلاها من مسميات لنقاد آخرين – ذكوراً كانوا أم إناثاً- ليسوا إلا محض انتصارات للنسق الذكوري للشعر ، صاحب السيطرة الثقافية، إما عن تواطؤ أو عدم دراية ، فـ"كثيراً ما يكون الإسم ظالماً لمسماه ، أو ملقياً عليه ظلالاً من الشبهات وخاصة إذا كان هذا الإسم وصفاً، لأن الصفة عندئذ تستدعي نقيضها، كما يستدعي البياض ذكر السواد. وعندئذ تلتمع المقارنة ولا ينال الإسم رضا سامعيه إلا إذا اتضحت المناقضة ايما اتضاح وثبتت أشكالها و ألوانها".
إلى أن ولدت تسمية "شعر التفعيلة" ، بعد خمسة عشر عاماً على المؤنثة على إسم  يؤنثها جزءاً من حقها، ليظل الأصل المذكر والفرع المؤنث.





"الطرق كلها هكذا: مشقات في ترجمة السوسن إلى لغة المنثور".
سليم بركات – "السيل"



"فاينيموينن العجوز الأمين



كان يصنع بالغناء قارباً،
وهو يدق على صخرة،
كانت تنقصه ثلاث كلمات،
لكي يصنع جانبي القارب،




فذهب في طلب الكلمات"

من أشعار الملاحم الكاريلية القديمة في روسيا.





وإن كان البعض قد زعم أن الحداثة العربية قد انحصرت في الشعر فقط كما فعل أدونيس وإحسان عباس، وأن لا حداثة في غيره من أنواع الخطابات الثقافية الأخرى، فتلك نظرة تقوم على فصل الخطاب الشعري والقذف به في الفراغ مجرداً من أي إتصال مع أي نسق ثقافي وحضاري آخر للأمة، وهو ما نراه مجانباً للصواب بقدر غير يسير، فالتأنيث في الشعر وما أحدثه ذلك في الجسد الشعري العربي من تحرر وإنطلاق، كان الحلقة الوسطى بين محركات إبداعية ذاتية نبعت عن أكثر صور الذات العربية تعرضاً للقهر والقمع في مجتمعاتنا وصولاً لأنساق سردية وموسيقية وصوتية وبنائية جديدة، هي تمهيد لبعث الروح التحديثية في أجناس فنية وأدبية أخرى كالرواية مثلاً، حيث الراوي أصبح خالقاً لعشيرة متخيلة عبر السرد الحر، متنقلاً بشكل أرحب في وسائط سردية لايمكن إلا أن نلاحظ الفارق بين هياكلها ماقبل وما بعد حادثة تأنيث "الملائكة" للشعر، "إن تجربة القصيدة لحرة علامة كاشفة على حالة الاتصال و الانفصال، التكرار والاختلاف، وهي مسعى لابتكار الذات نموذجها الخاص معتمدة على المنجز القائم الذي لم تسع إلى إلغائه ولكنها أقدمت على تفكيكه ففتحت بذلك منافذ لها اقتحمت عبرها أسوار النموذج مما فكك المعيار الرسمي ومكن الذات المبدعة من التغلغل إلى الداخل ومن ثم إعادة إنتاج الموروث وإعادة تكوينه".




لذا فليس من الصحيح المصادقة على أن الحداثة العربية اقتصرت فقط على الشعر، وذلك لأن التحول في البنية الشعرية وإن لم يصل لتمام التحول في البنية اللغوية المنطقية للأمة –وإن بدت مظاهره واضحة في بعض المواضع- هو تحول في أكثر الفنون اللغوية تأثراً و تأثيراً فيما يسمى بالزمنية الجامعة –بحسب بندكت أنردسن- لجماعة ما بعينها.
إذ أن ذلك التحول، ترك آثاراً عدة، أهمها سؤال الهوية وعلاقتنا بالآخر من ناحية والبدايات من ناحية أخرى، وكذلك مواثيق إدراكنا لذاتنا تاريخيا، عبر القراءة من الطرف للمركز وليس العكس كما يذهب إلى ذلك هومي بابا، تلك القراءة التي ينبع منها الخطاب السلطوي.

"النقد ونقد الذات تحديداً ومسألة المنجز التاريخي، مع السؤال عن دور الذات المفردة وعن موقعها في النسق الثقافي و في نظام العشيرة، وهذه أسئلة موجودة في كافة الأفعال الثقافية. ولقد كان جواب الشعر عليها هو الأبرز لأن الشعر هو أبرز ما في ثقافتنا وهو الوجه المكشوف دوماً لنا". ويسجل لحركة "الشعر الحر" أو "شعر الشطر/البيت الواحد" أو "شعر التفعيلة" أنها كانت السباقة لطرق باب "المحرم" و "الممنوع" في الذهنية الثقافية وتفكيكه، وهو –التفكيك- المصطلح الذي يهابه الكثيرون من أصحاب عقلية الإتباع والأصولية وغيرها من الأنساق الذكورية التي تتمركز حول الذات فقط ، ولا تعطي مجالاً للآخر كما تفعل الأنوثة في أعلى تجلياتها المانحة للحياة على حافة "الفناء"، "إستجلاءاً" و "كشفاً" للوجود الإنساني في هذا الكون.


هكذا تولد الكلماتُ . أدرِّبُ قلبي
على الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ ...
صوفيَّةٌ مفرداتي . وحسِّيَّةٌ رغباتي
ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّ
إذا التقتِ الاثنتانِ :
أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ

م.درويش – "لاعب النرد"
 
الجزء الرابع
 

"أما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن، فإنهن لما كن مجبولاتٍ على الغدر كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد، وأما الكتابة فأول ما تقدر به المرأة على تأليف الكلام بها، فإنه سيكون رسالة إلى زيد ورقعة إلى عمرو، وبيتاً من الشعر إلى غرب وشيئاً آخر إلى رجل آخر، فمثل النساء والكتب والكتابة كمثل شرير سفيه تهدي إليه سيفاً، أو سكير تعطيه زجاجة خمر ، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو أصلح لهن وأنفع".

 خير الدين نعمان بن أبي الثناء، "الإصابة في منع النساء من الكتابة."
 
ولأن وجود المدلول مقيد بالدال، فنحن كـ"موضوع" نتمظهر "ذاتاً" لغوية، وبالتالي فالإنسان وجود لغوي ، فباللغة تكون "الإشارة" وبالتالي التسمية، تبعاً للـ"مصدر"، تعاقبياً (إشارة مصدر)، فيُعطى الإنسان حينها حيزه الوجودي المتجاوز له والمتماهي مع قيمة الوجود الإنساني المطلقة والساعة إلى الخلاص، باعتبار أن "الإنسان يسعى إلى الجمال في كل فعل" –بالمنطق الماركسي، فمثلاً إذا تظاهر جمع من السيدات في الفضاء العام (ولفظة فضاء عام تقتضي الجمع و المساواة في الحضور، وذلك محض افتراض مطلق) يطالبن بحق من حقوقهم، فيصير وجودهن اللغوي محدداً أولاً بـ"هن" (الإشارة) ومن ثم "يتظاهرن" (الفعل الوجودي)، فيصرن "متظاهرات" (مسمى/إسم فاعل)، ولكن تلك الإشارة لذلك الفعل والوجود القيمية له ، لا يتحدد بهن كفاعلات مستقلات عمن هو خارجهن، فمثلاً إذا قرر رجل/ذكر الإنضمام لتلك التظاهرة، باتت الإشارة التي يفترض أن تستند على الأقل لقاعدة العدد: حيث عدد الإناث أكبر في الفرضية اللغوية من عدد الذكور هو ذكر وحيد مهددة و متحيزة، إذ تتحول من "هن" إلى "هم"، وعليه يصير الفعل الوجودي : "يتظاهرون" فصاروا "متظاهرين".
أي أن فردا ذكراً واحداً يعادل وجودياً وذاتياً وموضوعياً بل وقيمياً جمعاً من السيدات بفضل تحيز اللغة ومؤسسيتها الذكورية.
 
إن التذكير في اللغة هو الأصل، وما كان له أن يكون كذلك لولا أن التأنيث هو الفرع، وبالتالي نصل لحالة من "التعريف بالسلب"، فتتحول الذات المذكرة لمذكرة لا لذاتها فقط إنما لتأنيث واقع على الآخر، بلفظ آخر: أنا أنا لأنها هي هي، وليس لأنني أنا من أنا (الذات ليست ذاتاً لذاتها إنما لأن الآخر آخر).
 
وذلك التأسيس الجنوسي في اللغة هو تأسيس سلطوي في الخطاب، يهدف إلى السيطرة على "حيز الوجود" للذات المؤنثة"، أياً كان ذلك الخطاب، أو كما قال ابن كثير على العلم –كخطاب- في "البداية  النهاية": "العلم ذكر لا يحبه إلا الذكور و يكرهه مؤنثهم".
 
ولأن حضور الأنوثة في الذات الإنسانية محكوم بالبنية اللغوية السلطوية التي تمارسها الذات الذكورية، بات جلياً لماذا كانت اللغة أول المؤسسات الفحولية وأقواها وأكثرها قمعاً، وتفريخاً للكثير من الأنساق الثقافية الفحولية والتي منها للمثال لا الحصر الدين (ومنه انبثق المعبد/الكاهن)وكيفما كانت تلك السلطة الثقافية الممنوحة للذكورة: جسدية، جمالية ، أخلاقية ، اقتصادية .... إلخ، إنما تتحدد بـ"الآخر" الذي تقع عليه، وبالتالي بات تحديد الذكورة كمركز للقوى في "ذات"ـها وما تمنعه عن "آخر"ها، كثبوت والاستقلالية الدلالية كعلامة،  فنرى في الإنجليزية مثلاً:
Man 
وهي علامة دلالية تامة المعنى تقوم بذاتها، تعبيراً وصفياً و إدراكياً: تسمية للذكر، أما:
Wo
فهو مقطع صوتي لا يقوم بذاته لا من ناحية الدلالة ولا العلامة، ولذا وجب إلحالقه بالذكر التام الدلالة والعلامة ليأخذ معناه ووجوده الأنثوي، وهو ما يعرف بعلاقة: الطرفـ/ المركز، فتصبح:
Woman
 
أي أن القمع هاهنا لا يدرس من ناحية تأثيره المباشر على الإدراك الذاتي للذات، ولكن من حيث ما يستثنيه ويمنعه، وهو الوجه الآخر للعنف أو مالا يقال من القصة–بحسب باربرا ويتمر: الإدراك الآخروي للذات. وهو ما يمكن ملاحظته في الأسبانية والفرنسية كذلك، وهو أقرب ما يكون من حيث الدلالة المعنوية لعلاقة المركز الطرف إلى السرد الأسطوري الشهير عن خلق حواء من ضلع آدم.
(بعيداً عن تهافت منة الثقافة الاقوى على الضحية بالقول الثقافوي: أن حواء خلقت من ضلع يحمي القلب).
 
وماذا أكبر من سلطة الوجود والقيمة الإنسانية، لتصبح استحواذاً ذكورياً يعطي كامل السلطة والقوة للذكر من قصة "خروج آدم و حواء من الجنة" في سفر التكوين، التي كانت مبتدأ الوجود الإنساني والقيمة في سؤال الإنسان عن ذاته. وهنا كما سيتضح معنا ، يكون مبتدأ الإدراك الإنساني متحيزاً، لبناء نسق سلطوي إدراكي ذكوري.
 
إذ كانت هناك "أربع ذوات" عاقلة واعية لنفسها في الحدث: الرب وآدم وحواء والأفعى، وهي ذوات تتشابه في أنها تعرف نفسها بنفسها فالأفعى ليست آدم ولا حواء ولا الرب مثلاً، وبالتالي فأول الظهور لتلك الذوات هو التعيين والإدراك :"التسمية اللغوية"، على خلاف شجرة المعرفة وشجرة الخلود ، فكلتاهما من جنس الشجر، ولكن كذوات لا يعرفون أنفسهم بأنفسهم، أي دون وعي ذاتي بالذات.
 
وهو المتحقق في "المعرفة"، حيث أن آدم و حواء لا يعرفان ماذا بعد التفاحة؟ فالمعرفة هاهنا موجودة في حيز المطلق الإلهي  ليس النسبي الإنساني، أي أنها ذات لاجنس لها، خرساء نائمة، مغتربة في التفاحة، خارج منطق سلطة الخير والشر أو الصواب والخطأ ، أي أنها معرفة متحررة من قيد الثقافي وبنيته الهيراركية.
 
إن غواية الأفعى لحواء اعتمدت على "ميل" ماعند حواء للإستكشاف والخروج عما لا يجب الخروج عنه وهو "أمر" الرب. فالذات/الأنا يمكن أن "تميل"، وذلك الميل هو الذي يؤسس لقدرها وهويتها ، فميل الشيطان/الأفعى للنار هو الذي يؤسس لقدره، فالنار لا تستطيع البقاء دونما أن تتغذى على غيرها، وبقاؤها في فناء غيرها، بينما الملائكة بهم ميل للنور، يسيرون في خطوط مستقيمة لا تعرف الميل عما طلب منهم.
 
والوجود والحوار الإنساني مع "الميل" هو أصل القيمة الإنسانية، فمثلاً "الوصايا العشر" في جوهرها هي "لائحة من الميول الممنوعة" تواترت على اختلاف التقديسات الخطابية بين وصايا عشر وخطايا سبع وغيرها. وهنا يأتي الميل الأنثوي للتحرر والإبداع وكسر القيد والبنية الرأسية التي أسست للمعبد، وبالتالي كسر النسق المؤسس لفكرة "الصواب/الخطأ" أو "الخير/الشر" بالمنطق الثقافي، حيث ذلك الميل الأنثوي إنما هو عودة بالمعرفة والفكرة إلى حيزها المطلق/الإلهي/الجناني. وبالتالي كان التعري هاهنا ليس في منطق "العري" ، إنما في منطق المعرفة، فإدراك آدم و حواء لعريهما لم يكن ليكون قبل المعرفة/الأكل من التفاحة ، أي أنه منطق ثقافوي ، فالعري يتحقق بالمعرفة إذ تتحول إلى سلطة التحريم و المنع و ليس قبل ذلك/قبل تناول التفاحة.
 
وهنا وجب تدخل اللغة، فبمجرد الأكل من التفاحة، وبالتالي الخروج من الجنة (حيث لم يرد في أي سرد زمنية فارقة) وإنتقال المعرفة إلى حيز اللغة والوجود الإنساني/اللغوي، ظهرت فكرة السلطة والقمع في الخطاب لصالح الذكر (يذكرنا ذلك بربة الشعر التي تحولت إلى شيطان شعر، فنزعت عنها أنوثتها لا شعرها)، فقمعت الأنثى لصالح التنافس الذكوري النسقي بين الشيطان إذ نزع عنه تأنثيه "الأفعى"، و آدم:
 
1.الغواية: يمثلها الشيطان/الذكر (حيث لم تخرج الأفعى لضوء المنافسة حتى في سفر التكوين).
2.القانون: يمثله الرب/الذكر اللغوي (كما سنرى تباعاً).
3. الإنسان: يمثله آدم/الذكر (وهنا تم استحواذ الإنسانية لصالح الذكورة فباتت الأاصل في الأمر لغوياً).
 
ويبدأ معه الإتفاق الذكوري تحت غطاء المنافسة على قمع الأنثى والميل الأنثوي ، فتصير الاستجابة لذلك الميل مستحقة للنار وصحبة الشيطان، وقمع ذلك الميل المؤنث هو عين التقرب إلى الله الذات المطلقة واسترداد الجنة التي أضاعها إستماع الإنسان/في صورة آدم/الجذر إلى ميله الطاريء على أصله من روح الله لكسر قانون الرب.
 


وهنا تبدأ عملية إنتاج الأنساق القمعية، عن طريق تفحيل الآلهة وتقديس الذكورة وتأصيلها إنسانياً، وثقافوياً، فلم نسمع يوماً عن نبي أنثى، حتى أن كلمة "نبي" لا تأنيث لها. ونرى الكثير من الأديان التوحيدية والوضعية، تتعامل مع التأنيث باعتباره الطرف من المركز المذكر، أي أنها علاقة سلطوية، فنرى قوانة مدعاة للرجل، و طهراً له يقابله دنس أنثوي . ويصبح التدين والنزوع إلى الجذر التوحيدي للخلق، أو الروح التامة له: الله، هو فعل ذكوري قطيعي، فمثلاً تصبح الصلاة وهي التي في ذاتها وأصلها فعل فردي روحاني بالمقام الأول، تمظهراً لغوياً في الفضاء العام، تتبع سيرورة "الجمع المذكر السالم" بالتمام أو ما يقاربه، وهي صيغة لغوية يشترط فيها أن تكون من علم مذكر عاقل خال من تاء التأنيث الزائدة (لاحظ/ي كلمة "زائدة")، وهي شروط مشددة تحصن الذكورة من شوائب التأنيث والحيوانية معاً، والمعية هاهنا معية ثقافية /سلطوية/رأسية، تعرف الأعلى بالأدنى، قائمة على أن الحيوانية دونية بالقطع و الإطلاق. فحينما يشترط أن يكون (عاقلاً) هو إحالة إلى معنى حساس يشرحه عباس حسن في كتابه "النحو الوافي" قائلاً:
 
"ليس المراد بالعاقل أن يكون عاقلاً بالفعل، وإنما المراد أنه من جنس عاقل كالآدميين (والنسب هنا إلى آدم وليس إلى بني البشر) والملائكة، فيشمل المجنون الذي فقد عقله، والطفل الصغير الذي لم يظهر أثر عقله بعد. وقد يجمع غير العاقل تنزيلاً له منزلة العاقل. إذا صدر منه أمر لا يكون إلا من العقلاء فيكون جمع مذكر". 
 
وهنا يحق للطفل وللمجنون والطفل وكذا الحيوان الذكي (!!) أن يدخل قلعة المذكر السالم ، أما الأنثى فلا، وهو ما يعود بنا إلى المنطق الفوكوي–نسبة إلى ميشال فوكو في تحليل الخطاب الذي يتناول العقل والجنون باعتباره خطاب قمع وسلطة. وهو بالضبط ما تم اتجاه الدين بمعناه المطلق، وتحويله إلى نسق ثقافي/ سلطوي /فحولي (وليس فقط ذكوري) ولي عنقه، وباتت فيه الآلهة بمعناها المطلق المتحرر، عرضة لعمليات مكثفة من التفحيل اللغوي، فبات "الله" وهو اللفظ التام المعنى والدلالة والجلالة  المتحرر من قيد الجنوسة (تذكيراً و تأنيثاً) بالإطلاق والإلمام معاً، محاصراً بتسعة وتسعين فحلاً لغوياً لإدراكه ، فبات "عليماً" لا بعلمه فقط وإنما بجنوسة ذلك العلم الثقافية، وكذلك "الرحيم" "الكريم" "العطوف" "المنان" إلى آخره من الصفات والإشارات الفحولية، وهو ما نسميه حصاراً فحولياً مادياً للذات الالوهية المتجاوزة.

***
إن الاستماتة اللغوية في تعريف العلامة التامة بنقيضها، وإن انطلقت من حتمية أن "العلامة تحمل نقيضها معها" كما قال الجرجاني، إلا أنها تعمد إلى تجاوز ذلك وتحرير العلامة الذكورية و إلحاقها وهي النسبية بالمطلق ، في مقابل تصنيم من "صنم"-المقابل الأنثوي لها، وتقييده بثبوت متدن أمام المطلق المتجاوز الذكر الأقوى وكيل الرب. وهو ما يمكننا رصده في كل مظاهر الثقافة التي تناولت تلك اللحظة الوجودة المؤسسة للتجربة الإنسانية ككل: لحظة الخروج من الجنة/المطلق.
 
فنرى أن تناول الذات الإنسانية المؤنثة في تلك اللحظة إنما هو تناول يعتمد على الثبات الصوري نسبة إلى الصورة وإن ظهر متدرجاً، لصالح درجة أكثر تحرراً وسيولة فيما يتعلق بتناول وإدراك الذات الذكورية، وهو ما يخدم مقولة الناقد الإنجليزي داني شيشتير: "كلما زادت المشاهدة قلت المعرفة".
 
فتشكيلياً في العصور الوسطى تم تناول السرد فيما يتعلق بالخروج من الجنة في حيز زماني ومكاني كبير فنياً بشكل نسبي، فلننظر مثلا إلى لوحة "السقوط و الخروج من الجنة " للرسام بول دي لمبورغ، في القرن الخامس عشر:
 
 

["السقوط والخروج من الجنة" لـ دي ليمبورغ]
 
حيث نجد نوعاً من المساحة السردية تشكيلياً، تضمن ولو بدرجة متدنية القليل القليل من الحرية الغير خارجة عن النسق السردي خطابياً.
 
ثم يأتي مايبوس في القرن السادس عشر ليصور لنا تشكيلياً المشهد ولكن ضمن فضاء سردي يكاد يكون معدوماً، ويكثف عناصر الثبات الصوري، في لوحته "آدم و حواء"، محققاً مقولة شيشتر السابقة، والتي انطلقت لتنطبق على الثقافة الخطابية التلفزيونية:

 
["آدم وحواء" لمايبوس]
 
وفي تمظهر آخر، في لوحة "الخروج من الجنة" لتوماسو دي سير جيوفاني كاسي (ماساجيو)، والتي كما يوضح اسمها تصف الخروج من الجنة، نجد أن الرائي/المشاهد يرى/يعرف دلالة الموقف من عناصر مختلفة في الصورة/الخطاب التشكيلي، فنرى تباكي آدم إذ يغطي وجهه وهو مناط الهوية التعبيرية الأول إنسانياً، فأول التعبير الإنساني جسدياً هو الوجه، وهو الذي يميز البشر من بعضهم، وبالتالي فدورة في تحديد الهوية الفردية يعد الأقوى من عناصر الجسد لصالح الإنسان/الفكرة: الهوية، بينما حواء تتباكى في الوجه بوضوح، بينما ذاتها "ميلها" الإنساني إنما هو ميل جنسي/مادي/فيزيولوجي، يؤسس لفكرة أن ذلك الميل هو العورة، والتعري ومنطق خروجنا من الجنة، وهو ذات المنطق الذي يؤسس لقداسة تشييء المرأة وتسليعها كجزء من جغرافية الجنة ومتاع الدنيا، فهي بيولوجيا مادية وليست إنسانية متجاوزة القيمة.
 

 
["طرد آدم وحواء من الجنة" لماساجيو]
 
(وهنا تعيد الثقافة الذكورة تجبرها و منتها على الضحية ، فتسمي الحجاب و النقاب مقاومة ، في حين أنه لا يكسر خطاب القمع الذكوري بل يؤسس له أكثر):
 
ومع تنامي علمنة الثقافة مع بدايات عصور التنوير، لم يتم تحرير الأنثى من سطوة الفحولة الثقافية، مع أن العلمانية تقوم في ذاتها على تفسير الظواهر بما فيها لا بما يتجاوزها، ولكن تظل العلمانية نسقاً ثقافياً يخضع لبنية السلطة في جسد الثقافة الإنسانية عموماً، والبنية اللغوية خصوصاً، فباتت العلمانية وسيلة لتحرير الصورة وليس تحرير الأنثى، أي أنها لم تستطع من الأمر شيئاً.
وكان من الطبيعي أن ينتهي الأمر بالأنثى المسورة من السور بالصورة، إلى نماذج مثل الموناليزا بنظراتها الملغزة، والمتروكة للتأمل الثقافي الذكوري، ثم السينما ونموذج مارلين مونرو اللعوب الفاتنة، وتصدير تلك الدرجة من الثبوت الصوري في موقع الطرف من المركز الذكوري: الرجل الواقع عليه كل تأثير الفعل الوجودي الأنثوي.
 
فكانت عناصر تثبيت المرأة الجسد/الميل للخطئية وكسر القانون، في صورة تسعى لنيل رضا الرجل/الذكر في المركز: مثل مسابقات الجمال والطبخ، المباركين من الثقافة الذكورية البيضاء.
حتى في الحب والعشق ، نرى الرجل إذا ران الإكتمال بمعشوقته، بات مجازاً غير متحقق في الواقع، و الموت خير ثبوت لها في السعي لحرية الذكر المجازية وانقلابه على قيده، مما يستلزم على العاشق في خطاب العشق أن يتحول من كائن واقعي إلى كائن مجازي، فهو ذليل ومجنون ومقتول، وتتحول مهمته في الوجود من رجل عمل ومسؤولية إلى ذات فاقدة لكل شروط البشر السوي مجتمعياً. ومن أدق شروط هذا التكوين المجازي ألا يتزوج العاشق معشوقته لأن هذا الرابط العشقي هو رابط نفي وإلغاء وليس رابط إثبات وتأكيد. كما أن من شروطه تعاسة الاثنين العاشق والمعشوق: ما بأيدينا خلقنا تعساء ( كما في أطلال إبراهيم ناجي )، ولكي يفقد الرجل عقله ولبه وحياته ولكي يتحول إلى كائن ضعيف مستلب لا بد من أن يظل بين/بين، فلا هو هنا ولا هو هناك، ولا هو ممسك بعاشقته ولا هي ممسكة به،ولا هو سال عنها ومنصرف، إنه خطاب في الخروج والاغتراب وليس في الوجود والتحقق، ولكي نتصور هذا فلنقرأ قول جنادة:
من حبها أتمنى أن يلاقيني / من نحو بلدتها ناع فينعاها
كيما أقول فراق لا لقاء له / وتضمر اليأس نفسي ثم تنساها
ولو تموت لراعتني وقلت لها / يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها
هنا تتجلى فكرة التحويل المجازي فهو لا يريد حبيبة متحققة، لأن من شرط الحب المجازي هذا ألا يتحقق عمليًا، ولكي يضمن عدم تحققه فإنه يتمنى لو أن خبراً يأتيه يقول إنها قد ماتت لكي تتأكد له (لا واقعية) هذه المعشوقة، وهذا الفقد هو لتحقيق الفراق، بما أن اللقاء ليس من سمات خطاب العشق. غير أن هذا الموت المتمنى سيحرمه من معشوقة مجازية، ولذا فإنها لو ماتت فعلاً فسيدعو على الموت ويا بؤس له ليته أبقاها، وذلك لكي تظل صورة مجازية لحكاية يهم الشاعر بصناعتها ولا يريد تحققها، من جهة، ولا يريد زوالها، من جهة ثانية.
"إن ميل حواء إلى أكل التفاحة هو ميل لقطع المسافة التي تفصل المعرفة النائمة اللاواعية في التفاحة عن الرب كأعلى أشكال الوجود وعياً بذاته؛ إنها رحلة بين الأرض و السماء، بين موضوع التفاحة ووعي الرب الخالص".
حسين البرغوثي، "الفراغ الذي رأى التفاصيل"