Monday, April 30, 2012

منى غدار تكتب: نريد المزيد من النساء الأقوياء



كنت في السادسة عشر من عمري حين لاحظت لأول مرة أن والدي مرتعب مني. كنا في ذلك الوقت في محل بقالة في مدينتي بجنوب لبنان، مر بي زميلي في الفصل و حياني و كل ما فعلته هو أنني رددت عليه التحية و ابتسمت، لكن كانت تلك الابتسامة كفيلة بإثارة الرعب في نفس أبي الذي قضى الليل يصرخ و يضرب رأسه بالحائط لأنه لم يرد أن يضربني، لقد تحولت فتاته الصغيرة إلي امرأة تملك عاطفة جنسية طبيعية لا يستطيع أن يتحكم بها.
كنت امرأة يمكن أن تلحق به العار إذا تحدثت مع الرجال في الحيز العام، رد فعله أثار بنفسي و عقلي إعصار من الأفكار و المشاعر المتضاربة، لكن في وسط هذا الاضطراب و الخوف العميق أحسست برعشة داخلية غريبة كمن يمتلك قوة
السنوات اللاحقة التي تلت تلك الحادثة استخدمت فيها قوتي ضده و ضد أي شئ سلطوي أبوي في المجتمع، رفعت تدريجيا توقعاته و معها مخاوفه، تنبهه الدائم لي و لجسدي زاد من قمعه لي لكنه كان بدافع من الخوف الذي أوضح ضعفه و جعلني أدرك أنني أستطيع هزيمته.
هكذا بدأت أقدّر النساء الأقوياء اللائي يمتلكن الشجاعة الكافية لتحطيم القيود التي تسيطر على أجسادهن مؤكدات على كرامتهن و ليس خجلهن، هؤلاء النساء لسن خائفات من مواجهة الرجال في المجال العام و تحويل أجسادهن من رمز للخزي إلي أيقونات من الكرامة و احترام الذات، تلك هي الأمثلة التي نحتاجها الآن و بشدة و إلا لن يكتمل الربيع العربي و تبقى النساء كما عبرت منى الطحاوي في مقالها "الفئة الأكثر ضعفا في مصر و المنطقة"
حينما نزعت النسوية المصرية هدى شعرواي غطاء وجهها في 1923 حالما وصلت محطة قطار القاهرة بعد رجوعها من رحلة إلى روما، كان حدثا صادما انتقدت من أجله كثيرا لكن الفعل كان علامة أرّخت لدخول المرأة المصرية في الحياة العامة، و على قدر ما كان الفعل صادما إلا أن الصدمة جعلت من التغيير ممكنا.
منى الطحاوي محقة، إنهم يكرهوننا، لكنهم يخافونا منا أيضا كما يخاف معظم الديكتاتوريون و نحن نستطيع هزيمتهم كما هزمنا و سنستمر في هزيمة كل الطغاة، اليوم تضاعف خوفهم من الشعب بعد الثورات التي حدثت و يمكن لنا أن نستغل هذا الخوف في صالحنا.
القوات السورية تغتصب نساء سوريا لتلطخ حاضر و مستقبل السوريين بالخزي و العار، تلك هي طريقتهم في بيان خوفهم من الجموع المحتشدة في الشوارع لكن الأمل يكمن في التناقض الذي تحمله أفعالهم، يجب أن نحاول باستمرارية الاعتراض على الوضع الراهن مستخدمين كل الوسائل التي نملكها لزعزعة خوفهم من أجسادنا و تحدي المثلث الذي طالما تحكم في النساء لقرون: الدولة، المؤسسات الدينية و رب المنزل.
تسعون عاما منذ أن نزعت هدى شعرواي غطاء وجهها أمام الناس، علياء المهدي من مصر و مريم نمازي من ايران قررا أن يطلقا العنان لنموذجهما الخاص من النضال الاجتماعي في الدفاع عن حقوق المرأة. علياء نشرت لنفسها صورة عارية على شبكة الانترنت و مريم صنعت نتيجة سنوية كاملة من صور النساء العاريات و التي وصفتها ب "صرخة ضد كراهية النساء" لكن فوجئت أن معظم من عارضوا فكرة النتيجة كن من المدافعات عن حقوق المرأة اللائي قلن أنها هي و علياء شوهنّ الثورات بأفعالهما.
الرسالة الأساسية خلف تلك الممارسات وسط زوبعة النقد فُقدت و ربما هذا هو تحدينا الأساسي، النساء مازلن لا يقدرّن القوة التي يحملنها و يتخيلن أنهن غير قادرات على استخدامها في كسر الهيمنة الذكورية على المجتمع، مازلن يعتبرن أنفسهن كائنات عاجزة تحتاج الحماية المستمرة من الرجال. لكي نستحوذ على قوتنا لابد أن نتقبل كل أشكال الحريات بما فيها حرية التعبير و التي ليست عن الصواب و الخطأ و لكن عن الحق في الاختيار بما فيه الحق في اختيار و استخدام جنسانيتنا.
نحتاج إلى المزيد من النساء الأقوياء

  
 ترجمة: نهى العربي
من عدد مجلة السياسة الخارجية الأمريكية
المقال بالانجليزية
http://www.foreignpolicy.com/articles/2012/04/24/debating_the_war_on_women?page=0%2C3#.T53lyPo1-SM.facebook

منى الطحاوي : لماذا يكرهوننا (الحرب الحقيقة على النساء في الشرق الأوسط)



أليفة رأفت الكاتبة المصرية المهملة كثيرا في ذكر كتابتها، تكتب في مجموعتها القصصية "بعيدا عن المئذنة" قصة قصيرة عن امرأة لا تستمع بممارسة الجنس مع زوجها الذي يركز فقط على استمتاعه هو، و أثناء الممارسة تركز هي على شبكة عنكبوت تراها في سقف الغرفة و تفكر أنه يجب إزالتها و تتأمل رفض زوجها المتكرر لإطالة مدة الجماع حتى تصل هي أيضا للذروة "متعمدا حرمانها". و كما ينكر الزوج عليها أن تحصل على نشوة جنسية، يقاطعه أيضا صوت الآذان" ليرحل عنها. تغتسل و تندمج في صلاتها لدرجة الاشباع حتى أنها لا تطيق الانتظار لآداء الفرض التالي، تنظر من شرفتها للشارع، تقطع تأملها و تذهب مدفوعة باخلاص الواجب لعمل القهوة لزوجها ليشربها بعد أن يستيقظ من قليولته..تأخذها للغرفة لتصبها أمامه كما يفضل، لكنها تكتشف أنه مات، فتخبر ابنها أن يذهب لاحضار طبيب ثم تتركه، تكتب أليفة "عادت إلى الصالة لتجلس و تصب لنفسها فنجان القهوة متعجبة من الهدوء التي كانت عليه".
و تطرح أليفة في ما يقرب من ثلاث صفحات و نصف ثلاثية من الجنس و الموت و الدين، ثلاثية تسحق أمامها الانكار و الدفاع المكرر لتصل إلى قلب كراهية النساء في الشرق الأوسط، لا يوجد مصطلح آخر أكثر رقة للتعبير، إنهم لا يكرهوننا بسبب حرياتنا كما يقول الكليشيه الأمريكي ما بعد 11 سبتمبر لكننا لا نملك حريات بسبب كراهيتهم لنا، كما تقول تلك السيدة العربية الشجاعة:
نعم: إنهم يكرهوننا. لابد أن يقال ذلك
قد يتساءل البعض لماذا أناقش هذا الآن، في وقت استيقظت فيه المنطقة العربية ليس فقط بسبب كراهيتنا المعتادة لأمريكا و اسرائيل و لكن بطلب عام و مشترك بالحصول على الحرية، على كل حال، أليس من المنطقي أن يحصل كل شخص على حقوقه الأساسية قبل أن تطالب النساء بمعاملة خاصة؟ و ما علاقة النوع، أو ربما الجنس هنا تحديدا، بالربيع العربي؟ لكنني لا أتحدث عن جنس مخفي بعيدا في أركان مظلمة و غرف نوم مغلقة، أنا أتحدث عن ضرورة هدم نظام سياسي و اقتصادي كامل يعامل نصف الانسانية كالحيوانات تماما كما هدم كيانات طاغية كانت تحول بين دول المنطقة و مستقبلها. إن ثورتنا لن تبدأ حتى ينتقل الغضب الجارف من ممارسي القمع في القصور الرئاسية إلي نظائرهم في شوارعنا و منازلنا.
لذا نعم، بالفعل كل النساء في العالم لديها مشكلات، نعم، بالفعل الولايات المتحدة الأمريكية لم ترشح سيدة لمنصب رئاسة الجمهورية حتى الآن، و نعم، بالفعل مازالت العديد من المجتمعات الغربية تشيئ النساء (و التي أحيا بإحداها)، وهذا هو ما تنتهي له المناقشة عادة حينما تريد مناقشة لماذا تكره المجتمعات العربية النساء.
لكن دعنا نضع جانبا ماذا تفعل و ماذا لا تفعل الولايات المتحدة الأمريكية للنساء، سمِّ لي دولة عربية واحدة و سأقوم بذكر سلسلة من الانتهاكات المشعلة بمزيج سام من الثقافة و الدين التي يبدو أن القليلين قادرون أو مستعدون لذكرها خشية الاساءة و التفكير. حين يكون أكثر من تسعين بالمائة من النساء المتزوجات في مصر – منهم والدتي و كل من اخواتها الست ماعدا واحدة- قد تم تختينهن بدعوى الفضيلة، إذن بالتالي فجميعنا كفار. حين تتعرض النساء المصريات لكشوف العذرية المهينة فقط لأنهم تحدثن بشجاعة لم يعد هناك وقت للصمت، حين تذكر مادة بالقانون المصري الجنائي أنه إذا ضربت سيدة على يد زوجها و كانت "نواياه حسنة" لا يتم توجيه عقوبة له فلتذهب السياسات الموضوعة نظريا للقضاء على التمييز ضد النساء إلى الجحيم، و ما هو تعريف "النوايا الحسنة" هو المصطلح الذي يعتبر أن أي اعتداء بالضرب ما لم يكن "مبرحا" أو "يصيب الوجه" هو اعتداء قانوني.
كل ما سبق يعني أنه حين نأتي على ذكر حال النساء في الشرق الأوسط فهو ليس افضل من ذلك بل أسوأ بكثير، حتى بعد كل تلك الثورات، لا أحد يهتم مادامت النساء كلهن محتشمات، داخل المنازل يفتقرن للتحرك البسيط بسياراتهن الخاصة و مرغمات بأخذ إذن الزوج للسفر بالخارج و غير قادرات على الزواج دون موافقة الولي أو حتى الطلاق.
لم تسجل دولة عربية واحدة في الدول المائة الأولى في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن "الفجوة بين الجنسين" واضعين المنطقة العربية ككل في القاع ،غني أو فقير جميعنا يكره النساء. على سبيل المثال المملكة العربية السعودية و اليمن جيراننا قد يكونوا على مسافة دهور من الغاء الفرق بين الجنسين حسب التقرير، فلقد حصلت السعودية على الموقع ال 131 و اليمن في ال 135 من اصل 135 دولة. المغرب المعروف عنها بقانون الأحوال الشخصية "التقدمي" و التي تحدث عنها خبراء الغرب في تقرير عام 2005 بأنها "مثال للدولة المسلمة القادرة على الاندماج في العالم الحديث" أخذت المركز ال 129 و وفقا لتصريح وزارة العدل المغربية فقد تزوجت 41.098  فتاة تحت سن الثامنة عشر في عام 2010.
إنه لمن اليسير معرفة سبب مجئ اليمن في ذيل القائمة، حيث 55 بالمائة من النساء غير متعلمات و 79 بالمائة لسن قوى عاملة و تمثلهن امرأة واحدة فقط في البرلمان من أصل 301 عضو. التقارير الاخبارية تخبرنا بفظاعة خبر وفاة فتاة تبلغ من العمر 12 عام و هي تضع طفلا، لم تعد مثل هذه الأخبارعلى الاتجاه المتنامي و المستمر في زواج الأطفال هناك، بل على النقيض تندلع مظاهرات مؤيدة لهذا الزواج ضد من المعترضين تغذيها تصريحات رجال الدين بأن المعترضين ما هم إلا مرتدون لأن النبي محمد – وفقا لهم- تزوج زوجته الثانية عائشة حينما كانت طفلة.

لكن على الأقل اليمنيات يقدن السيارات، بالطبع هذا لا ينهي بقية المشاكل لكن يرمز للحرية و التي يتردد صداها أكثر من حالة المملكة العربية السعودية حيث يمارس زواج الأطفال و تعتبر النساء أقلبة بغض النظر عن السن أو مستوى التعليم. النساء السعوديات يفقن عدد الذكور في الجامعات لكن مازلن ينظر إليهن في مرتبة أدنى لا يمكن أن يتحكمن من خلالها في مناحي حياتهن.
نعم، المملكة العربية السعودية هي الدولة التي تعرضت فيها سيدة مغتصبة من مجموعة من الرجال للسجن لأنها ركبت سيارة مع ذكر ليس من أقاربها و احتاجت لعفو ملكي، المملكة العربية السعودية هي الدولة التي حكم فيها على سيدة اخترقت حظر قيادة السيارات على النساء بعشر جلدات و مجددا احتاجت لعفو ملكي، المملكة العربية السعودية التي مازالت لا تملك فيها النساء حرية التصويت أو الترشح للانتخابات، إلا أن هناك "تقدما" منتظرا يعد فيه مرسوم ملكي بمنح حق الاقتراع في انتخابات رمزية محلية- انتظرها- في عام 2015. السئ في الأمر أن تلك الربتات الأبوية الصغيرة التي حصلت عليها النساء قوبلت بترحيب شديد و امتنان من العاهل السعودي الملك عبد الله الذي يتم وصفه بأنه مصلح إجتماعي حتى ممن يفترض بهم أنهم يعرفون أفضل – مجلة النيوزويك- التي اختارت الملك عبد الله في عام 2010 من أكثر أحد عشر قائدا عالميا محترما، هل تريد أن تعرف ما مدى سوء هذا الأمر؟ لقد كان رد فعل الملك "المصلح" تجاه الثورات التي تفور بها المنطقة العربية هو تخدير الناس بالمزيد من المساعدات الحكومية خاصة الجامعات السلفية المتشددة و التي تكتسب منها العائلة المالكة السعودية شرعيتها. الملك عبد الله يبلغ من العمر 87 عاما، انتظر حتى ترى خليفته، الملك نايف، رجل قادم من العصور الوسطى، كراهيته للنساء و تشدده يجعل الملك عبد الله يبدو بجانبه و كأنه سوزان انتوني.

إذن لماذا يكرهوننا؟ الجنس أو بالتحديد غشاء البكارة يوضح الكثير.
"يظل تركيز المتشددون على المرأة لغزا بالنسبة لي" هذا ما قالته مؤخرا هيلاري كلينتون، "لكن كلهم يبدون لي، ليس مهما أي دولة ينتمكون إليها أو أي دين يتبعون، يظل اهتماهم هو التحكم في النساء" (حتى و إن كانت هيلاري كلينتون تمثل إدارة تدعم بشكل واضح الكثير من ممارسات كراهية النساء). إن هذه المحاولات للسيطرة على المرأة من قبل هذه الأنظمة تتفرع من الشك أنه بدونها تصبح المرأة على بعد خطوات معدودة من الشره الجنسي. لاحظ يوسف القرضاوي، رجل الدين المحافظ المشهور و المضيف لأحد برامج الجزيرة و الذي أبدى ولعا بثورات العالم العربي مدركا أنها ستنجح في إزالة الطغاة الذين لطالما قمعوه هو و حركة الاخوان المسلمين التي ينتمي لها فكريا.
أستطيع أن أذكر لك مجموعة من المهوسيين بنموذج المرأة النهمة التي لا تستطيع أن تتحكم في شهوتها، لكنني أناقش هنا التيار الفكري العام الذي يمثله القرضاوي و الذي يستمع له عدد كبير من مشاهدي للفضائيات و غيرهم. على الرغم من أنه يقول أن ختان الإناث (و الذي يطلق عليه لفظ "طهارة" كناية لفظية لطيفة لتضعه على قدم المساواة مع طهارة الذكور) ليس فرضا لكنك ستجد تلك الملاحظة المهمة في إحدى كتبه حيث يقول: "أنا شخصيا أدعم الختان تحت الظروف الحالية في العالم الحديث. أي شخص يرى أن الختان سيكون الوسيلة المثلى لحماية بناته يجب أن يفعله" و يضيف "الرأي الوسطي هو في صف ممارسة الختان للحد من الفتنة"، و بالتالي حتى بين الوسطيين، الأعضاء التناسلية للفتيات لابد أن تستأصل للتأكد من كبح رغبتهن في مهدها. أصدر القرضاوي فتواه ضد ختان الإناث إلا أنه لا عجب أنه على الرغم صدور قانون يحظر هذه الممارسة في مصر منذ عام 2008 و الذي عارضه بعض مشرعي الإخوان المسلمين في وقته و مازالوا يعارضونه بما فيهم البرلمانية عزة الجرف.
و بالرغم من هذا فالرجال هم الذين لا يستطيعوا التحكم في أنفسهم في الشوارع، التحرش الجنسي صار وباءا ينتشر من المغرب إلى اليمن و بسببه تحجبت الكثير من النساء. مصر تملك عربات مترو مخصصة للسيدات لحمايتهم من الأيادي المتطفلة و ما هو أسوأ، العديد من المراكز التجارية السعودية للنساء فقط ممنوعة على الرجال من دخولها إلا بإذن من الفتاة ليصحبها أحدهم.
دائما نستمع إلى أن الأنظمة الاقتصادية الفاشلة لدول الشرق الأوسط هي السبب في عدم زواج الرجال بل و يعزو البعض إرتفاع معدلات التحرش في الشوارع لنفس السبب. يبرز استطلاع الرأي الذي قام به المركز المصري لحقوق المرأة في عام 2008 أن 80 بالمائة من السيدات المصريات تم التحرش بهن و 60 بالمائة من الرجال اعترفوا بارتكاب التحرش إلا أننا لا نسمع كيف يؤثر تأخر سن الزواج على المرأة، هل تستثار النساء جنسيا أم لا؟ يبدو أن الحكم العربي مازال قائما على أسس البيولوجي.
تأمل الآذان الذي انطلق في قصة أليفة رفعت و الصلاة التي اندمجت فيها في صورة من الخضوع التام من خلال الدين و التي عبرت عنه بصورة عبقرية، هذا الخضوع لا يختلف عن رجال الدين الذي عينهم النظام ليقوموا بتهدئة الفقراء في العالم العربي بوعود من العدالة و الحور العين في الآخرة دون التفكير في محاسبة الفاسدين أوانتقاد محاباة الديكتاتوريين لأقاربهم في الحياة الدنيا، لتجد أن النساء يتم اخراسهن بتركيبة قاتلة لرجال يكرهونهن مدعين أن الله يقف في صفهم.
أعود مرة أخرى للمملكة العربية السعودية ليس فقط بسبب أنني حين تعاملت معها في سن الخامسة عشر صدمت في الحركة النسائية- لا يوجد وسيلة أخرى للتعبير عن الأمر- لكن بسبب أن المملكة لا ترى حرجا في عبادتها لاله يكره النساء و لا تعاني من أي آثار مترتبة على ذلك نتيجة لامتلاكها المزدوج لميزتين وجود البترول و أكثر ماكنين مقدسين في الاسلام، مكة و المدينة.
في ذلك الوقت – الثمانينيات و التسعينيات- كما الآن، كان رجال الدين على التلفزيون السعودي مهوسين بأجساد النساء و فتحاتهن خاصة ما يخرج من تلك الفتحات. لن أنسى قط سماع أنه لو بال طفل ذكر عليك لا داعي للاغتسال و يمكن الصلاة في نفس الثياب في حين أنه لو كان بول فتاة فلابد من الاغتسال و تغيير الثياب. ماذا يجعل من بول الفتاة نجسا؟ تساءلت حينها!
 
كراهية النساء
إلي أي حد تكره المملكة العربية السعودية النساء؟ يبدو كثيرا في حادثة وفاة خمسة عشر فتاة في حريق نشب بمدرسة بمكة في عام 2002 حينما منعتهن شرطة الأخلاق من الخروج من المبنى المحترق و تركتهن في الداخل دون أي محاولة للانقاذ لأن الفتيات لم يكن يرتدين الحجاب و العباءات اللازمة للتواجد في الشارع. و لم يحدث شئ، لم يتعرض أحد للمحاكمة، و صمت الآباء في ذلك الحين. التغيير الوحيد الذي واجه رعب الفتيات هو أن مسئولية تعليم الفتيات نقلها الملك عبد الله بهدوء من أيدي السلفيين المتشددين إلا أنهم حافظوا على سيطرتهم عليها كما يحكمون قبضتهم على نظام التعليم العام في المملكة بوثيقة رسمية.
هذه ليست ظاهرة سعودية فحسب أو فضول كاره لأغنياء الصحراء المنعزلة. هذه الكراهية الاسلامية للنساء تبدو واضحة في المنطقة الآن أكثر من قبل.
في الكويت ظل الاسلاميون يحاربون حقوق المرأة، و حين نجحت أربع نساء في الوصول لمقاعد في البرلمان طلب من اثنتين منهن لم يكونا يرتديا الحجاب أن يرتدوه و حين تم حل البرلمان في ديسمبر الماضي طالب برلماني اسلامي البرلمان الجديد – الذي لم يضم امرأة واحدة- بمناقشة مقترح قانون لل " الملابس اللائقة" للنساء.
في تونس التي تعتبر أقرب إلى منارة التسامح الديني في المنطقة، حبست النساء أنفاسهن بعد حصول حزب النهضة الاسلامي على أكبر عدد من الأصوات في الجمعية التأسيسية للبلاد. قادة الحزب تعهدوا باحترام قانون الأحوال الشخصية لتونس الصادر عام 1956 و الذي يعلن "مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة كمواطنين و يمنع تعدد الزوجات" لكن اساتذة الجامعة من النساء و الطالبات اشتكين مؤخرا من المضايقات و الاعتداءات التي يتعرضن لها من قبل الاسلاميين لارغامهن على ارتداء الحجاب، في الوقت الذي تتساءل فيه العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة عن كيفية تاثير القانون الاسلامي على القانون الفعلي الذي سيعشن بمقتضاه في تونس ما بعد الثورة.
في ليبيا، أول ما فعله رئيس الحكومة الانتقالية، مصطفى عبد الجليل، أنه وعد بازالة العوائق التي فرضها النظام الطاغي السابق على تعدد الزوجات و حتى لا تظن أن معمر القذافي كان نسويا من أي نوع، فلتتذكر أنه في عهده كان الفتيات و النساء اللائي ينجين من حوادث الاغتصاب أو "جرائم الشرف" كن يودعن في "مراكز تأهيل" و التي كانت بمثابة السجن حيث لا يمكن أن يخرجن منها إلا إذا وافق رجل على تزوج إحداهن أو أرادت أسرتهن عودتهن مرة أخرى.
ثم هناك مصر، حيث في أقل من شهر من تنحي الرئيس حسني مبارك و استبداله بالمجلس العسكري الذي تقلد مقاليد الحكم مدعيا ظاهريا بأنه "حمي الثورة" ذكرنا عن غير قصد بالثورة التي نحتاج نحن النساء لنقوم بها. بعد أن ترك المتظاهرون ميدان التحرير تم القبض على العشرات من النشطاء الرجال و النساء و الاعتداء عليهم جيمعا بالضرب و التعذيب كما نعلم، لكن احتفظ الظباط ب "كشوف العذرية" للنشطاء من النساء، اغتصاب متنكر في صورة طبيب يقوم بغرس أصابعه في فتحات مهبل تلك الفتيات باحثا عن غشاء البكارة. (تم مقاضاة الطبيب و لكن أطلق سراحه لاحقا في شهر مارس)
أي أمل يمكن أن تتمتع به النساء في البرلمان المصري الجديد المسيطر عليه من قبل رجال يعيشون في القرن السابع؟ ربع عدد المقاعد الآن يتحكم بها السلفيون الذين يؤمنون بأن محاكاة الطرق الأصلية التي قام بها النبي محمد هي الطريقة المثلى للحياة الحديثة. الخريف الماضي وضع حزب النور السلفي صورة زهرة مكان كل صورة لمرشحة عن حزبه في انتخابات مجلس الشعب، النساء لا يجب أن تتم رؤيتهن أو سماعن لأن حتى أصواتهن عورة و بالتالي ها هن في البرلمان المصري مغطيات من الرأس للقدم لا يتفوهن بكلمة.
كل هذا يحدث و نحن مازلنا في منتصف الثورة في مصر! إنها ثورة شاركت فيها النساء، قتلن، ضربن، تم التحرش بهن و ناضلن بجانب الرجال للتخلص من سلطة مبارك إلا أنه مازال هناك العديد من "مبارك" مازالوا يقمعوننا. الاخوان المسلمون الحائزون على ما يقرب من نصف مقاعد البرلمان في برلماننا الثوري الجديد لا يؤمنون بأن المرأة ( و الأقباط أيضا) لا يمكن أن يتقلدن الرئاسة. مسئولة لجنة المرأة في حزب الاخوان المسلمين صرحت مؤخرا بأن المرأة لا يجب أن تتظاهر أو تعتصم لأنه من "الكرامة" أن تترك هذا الأمر لزوجها أو أخواتها.
كراهية النساء لها عمق أكبر في المجتمع المصري، هؤلاء منا من شاركن في مسيرات و تظاهرن كان عليهن عبور حقول ألغام من التحرشات الجنسية من قبل النظام و أذنابه، و للأسف، أحيانا من زملائهن الثوار. لقد تم التحرش بي جنسيا في شهر نوفمبر الماضي بشارع محمد محمود القريب من ميدان التحرير على يد على الأقل أربعة من ظباط قوات مكافحة الشغب، و في الوقت الذي نحن حريصون فيه على فضح محاولات التحرش من النظام السابق، نصمت عن محاولات التحرش من المواطنين الذين نعتبرهم أعوان للنظام السابق أو من بطلجيته حتى لا نلوث الثورة.

إذن ماذا نفعل؟
أولا لنتوقف عن الادعاء، سمّ الكراهية بمسماها، قاوم الثقافة النسبية و اعلم أن حتى في الدول التي شهدت ثورات مازالت النساء فيها بضاعة رخيصة. أنتم – العالم الخارجي- سيتم اخباركم أنها "ثقافتنا" و "ديننا" ما يأمرنا بفعل كذا و كذا و كذا للنساء. فلتعلموا أن من برر ذلك لم يكن قط امرأة. الثورات العربية قد تكون أشعلت جذوتها رجل –محمد بوعزيزي- البائع المتجول الذي أشعل النار في نفسه من اليأس لكن من أنهاها كانوا النساء.
أمينة فيلالي، الفتاة المغربية ذات ال 16 عاما التي تجرعت السم بعد أن تم ارغامها على الزواج من مغتصبها هي بوعزيزي الخاص بنا، سلوى الحسيني أول امرأة مصرية تتحدث علنا عن كشوف العذرية، سميرة إبراهيم أول من رفعت قضية في هذا الأمر و رشا عبد الرحمن التي شهدت بجانبها، كلهن "بوعزيزي". لا يجب أن ننتظر حتى يمتن ليصيروا بوعزيزي جديد، منال الشريف التي قضت تسعة أيام في السجن من أجل اختراق حظر قيادة السيارة للسيدات هي "بوعزيزي السعودية" لقد كانت امرأة واحدة ثورية دفعت ضد محيطا من كراهية النساء.
إن ثوراتنا السياسية لن تنجح إلا إذا قابلها ثورات في الفكر الاجتماعي، الجنسي و الثقافي للاطاحة بمبارك الذي يرقد في عقولنا و في غرف نومنا.
هل تعلم لماذا تعرضنا لكشوف العذرية؟ سألني إبراهيم بعد ساعات من مسيرة كانت في اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس، "إنهم يريدون إخراسنا، يريدون الدفع بنا للعودة للمنازل مرغمات، و لكننا لن نذهب إلى أي مكان". نحن أكثر من مجرد أغطية رأس و أغشية بكارة، استمع لمن يحارب منا، لقد كان هناك وقتا يعتبر فيه الاسلامي هو أكثر شخص تعرضا للأذى في مصر و تونس، الآن قد تكون المرأة هي البديل كما كانت دوما.

 ترجمة: نهى العربي
المقال من عدد مجلة السياسة الأمريكية

Saturday, April 28, 2012

المكتبة

لأنني حتى الآن لم أصادف موقع أو مدونة اهتمت بتجميع كل ما كتب عن المرأة
 خصوصا الخطاب "الفكري" و ليس المعاد اللزج
لذا أنشأت المكتبة
انظر يمين الصفحة
سيتم تجديدها باستمرار إلا إذا فقدت اهتمامي
 

Friday, April 20, 2012

حوار مع جوان سكوت عن "سياسات الحجاب في فرنسا المعاصرة"



الجامعة الأمريكية 21 ابريل
حوار مع جوان سكوت
صاغت الأسئلة حنان خلوصي وقام بترجمة الحوار خالد فهمي
كنت واحدة من أوائل الأكاديميين في الجامعات الغربية الذين أدمجوا المرأة العاملة في السرديات التاريخية التقليدية. ما الذي دفعك لدراسة تاريخ المرأة العاملة الفرنسية؟
كانت رسالتي للدكتوراه تتعلق بالطبقة العاملة الفرنسية، وتحديدا بتاريخ عمال صناعة الزجاج في القرن التاسع عشر في فرنسا، وعندما كتبتها في 1967-1969 لم يكن لدي أي وعي بتاريخ النساء. ولكن الموجة الثانية من الحركة النسوية (تلك التي ظهرت في السبعينات) دفعتني للاهتمام بتاريخ المرأة. فكان تلامذتي يستفسرون مني عن تاريخ النساء، ونظرا لأنني كنت قد درست تاريخ الطبقة العاملة الفرنسية فكان من الملائم أن أتحول لدراسة تاريخ النساء في الطبقة العاملة الفرنسية. (يجب أن أنوه هنا أنني كنت مجرد واحدة – ولست من الأوائل – ممن كتبوا عن تاريخ المرأة العاملة). وفي نفس الوقت، بدأت قراءة النقد النسوي للسرديات التاريخية التقليدية، وكغيري من المؤرخات النسويات اكتشفت أن لنا سلفا. هؤلاء كن نسويات "الموجة الأولى" اللاتي ناضلن لإعطاء المرأة حق التصويت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واللاتي كتبن عن المرأة ودورها في التاريخ، كما كتبن عن مشاركتهن الفعالة في السياسية وقدرتهن على الفعل السياسي. وشكلت هذه الكتابات أساسا قويا لنا ونموذجا احتذيناه نحن مؤرخات الموجة الثانية.
كانت مقالتك الصادرة عام 1986 والمعنونة "الجندر: أداة مفيدة للتحليل التاريخي" بمثابة ثورة في دراسات المرأة، وكانت مسئولة بشكل أساسي عن تقديم الجندر كمدخل جديد ومختلف لدراسة التاريخ. ما الذي دفعك للتحول من دراسة المرأة لدراسة الجندر؟
شكل "الجندر" بالنسبة لي الحلقة المفقودة في الدراسات التطبيقية عن تاريخ المرأة، فقد أتاح لنا هذا المفهوم إمكانية فهم الطريقة التي تحدد بها مجتمعات مختلفة في أزمنة مختلفة الفرق بين النساء والرجال. فالمقصود بـ"الجندر" أن الطبيعة لا تحدد أقدار النساء أو الرجال، بل أن هذه الأقدار تحددها المعاني التي تصبغها المجتمعات الإنسانية على الفروق الجسمانية والتشريحية بين الجنسين. وبالتالي شكل "الجندر" لي الإطار النظري الذي أضاف بعدا نقديا لدراسات المرأة. فقد أكد على أن "النساء" مفهوم يتحدد على ضوء علاقته بـ"الرجال"، وأن الفرق بين الجنسين في أغلب الأحيان ليس فرقا تمليه الطبيعة بل نتاج اختلاف في موازين السلطة، وأن الاعتماد على الطبيعة لشرح الفرق بين الجنسين ما هو إلا وسيلة لتبرير تلك الاختلافات في السلطة التي ينتجها المجتمع، وأن الأفكار السائدة في مجتمع ما في استطاعتها ليس فقد أن تحدد الذكورة والأنوثة بل أيضا أن تقصي أية "انحرافات" على أنها غير طبيعية وشاذة.
بالإضافة إلى الإعجاب الشديد والإطراءات التي نالها مقالك فقد أجج أيضا سجالا حاميا وأشعل الكثير من الجدل. هلى حثك هذا على إعادة النظر في أي من المقولات التي سردتيها في مقالك هذا؟
لا. لقد طورت نقدي لنظرية التحليل النفسي، فأنا أعتقد الآن أن هذه النظرية بإمكانها أن توضح لنا كيف تُفهم الفروق بين الجنسين وكيف يجري إنتاجها. ولكني لم أغير موقفي بخصوص أهمية الجندر في فهم تجارب النساء وتاريخهن. فأغلب الانتقادات التي وجهت لهذا المقال أثارها أفراد كانوا أسرى المناهج التقليدية لدراسة التاريخ، وبالتالي لم يهتموا بالتنظير من قريب أو من بعيد، ولم يروا في تنظير ما بعد البنيوية بشكل خاص أية فائدة. وأنا ما زلت أعتقد أن التنظير مفيد وما زلت أعتمد عليه في أعمالي.
يشكل كتابك الأخير، "سياسات الحجاب"، تحولا جذريا آخر في إنتاجك الفكري، نظرا لتركيزه على القانون الفرنسي الذي صدر مؤخرا والذي يمنع ارتداء الحجاب. ما الذي دفعك للكتابة عن الفترة المعاصرة وعن الإسلام؟
أثناء دراستي عن النسوية الفرنسية كنت مهتمة بالطرق التي استطاعت بها النظريات الجمهورية عن العالمية أن تهمش المرأة وأقليات أخرى. فأثناء كتابة كتابي الذي يتناول تاريخ "الحركة من أجل المساواة" (وهي حركة نسوية نادت في التسعينات بضرورة تمثيل المرأة بشكل متساوي ونجحت عام 2000 في استصدار قانون يلزم أن يكون عدد المرشحات في أغلب الانتخابات مماثلا لعدد المرشحين) – أثناء عملي على هذا الكتاب بدأت أهتم بالطريقة التي يتم التعامل بها مع أقليات أخرى، مثل المثليين وأيضا مجموعات "المهاجرين"، وتحديدا المسلمين. وبدا لي أن موضوع غطاء الرأس يقدم نفسه كمثال آخر للطريقة التي يمكن بها أن تُستغل العالمية الفرنسية كأداة لاستبعاد "الآخر" الذي لا يمكن إدماجه داخل النماذج الثقافية الاستيعابية للجنسية الفرنسية.
هل تتابعين الخطابات الثورية والإسلاموية عن المرأة والجندر في مصر ما بعد مبارك؟ وهل لديك أية أفكار أو رؤى عن هذا الموضوع؟
في هذا الموضوع أنا أنتظر أن أتعلم من زملائي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة الذين دعوني لإلقاء محاضرتين هناك. فالكثير مما يقال عن المرأة والجندر في مصر ما بعد مبارك هو نتاج الصحافة الأمريكية، وهي صحافة تفترض أن الإسلام والمساواة بين الجنسين متعارضان بالضرورة، وبالتالي فلم استطع أن أقف على مجريات الأمور هنا. يبدو لي أن هناك بعض القوى السياسية التي تتهم النساء بخروجهن على العادات والتقاليد التي تريد هذه القوى السياسية أن تفرضها، ويبدو لي أن هذا الهجوم يقصد منه الهجوم على الحركة الاحتجاجية بشكل عام وليس فقط الهجوم على المرأة. ولكني أود أن أعي بشكل أعمق سياسات الجندر في مصر ما بعد مبارك.
كيف تردين على ادعاءات بعض الإسلاميين (وغير الإسلاميين) بأن النسويات الغربيات يفسدن عقول النساء المسلمات بنشرهن أفكار عن النسوية وعن المساواة بين الجنسين وهي أفكار تتعارض مع التقاليد والموروثات الإسلامية؟
أظن أن هذه الادعاءات تنتمي للأفكار الشائعة عن الإسلام  في الغرب والتي تذهب إلى أن الإسلام دين معاد للمرأة وللمثليين. هذه الادعاءات هي نتاج لنظرة تبسيطية تعتمد على افتراض وجود ثنائيات يمكن بها فهم العالم: الغرب ضد الشرق، العلمانية ضد الدين، الحداثة ضد التراث. إن هذه الثنائيات تخفي الاختلافات والفروق البسيطة داخل الغرب نفسه وفيما بين المسلمين أنفسهم. كما أن الانطلاق من هذه الثنائيات وعدم التشكيك فيها يمنعنا من أن ندرك أن النسوية والفرق بين الجنسين لهما وجود في كلا الجانبين، ويمنعنا أيضا من أن نرى على كل جانب من هذه الثنائيات تقاليد الفكر النسوي الذي لا ينتمي للأفكار الشائعة. فبعض الإسلاميين يرون أنه قد يكون من الأيسر عليعم أن يلوموا الغرب من أن يعترفوا بطبيعة أفكارهم المعادية للمساواة وللمرأة. وبالمثل من السهل على الغرب ألا يعترف بالطبيعة الأبوية لمؤسساته ولممارساته عن طريق الادعاء بأن الإسلام وحده هو ما ينادي بعدم المساواة بين الجنسين. يجب مقاومة هذا التفكير الثنائي في كل مكان. يجب علينا، عوضا عن هذا التفكير الثنائي، أن نولي اهتماما للاختلافات داخل مجتمعاتنا، وأن نهتم بالحركات السياسية التي تشكك في القيم الشائعة أينما وجدت، وأن ندرس تاريخ تلك الحركات بوضعها داخل سياق مجتمعاتها وأيضا داخل السياق السياسي العالمي.

Thursday, April 19, 2012

سنوبزم...تحرش 1970..يوسف إدريس





المقطع من قصة "سنوبزم" كتبها يوسف إدريس في 1970 و هي قصة قصيرة عن سيدة تتعرض للتحرش في الاتوبيس يقف الجميع ضدها ماعدا أستاذ أنثروبولوجي يحاول مساعدتها و لكنه يجد أن جميع الركاب يعترضون على هذا الفعل حتى النساء منهم ...


"........الرجل رغم كل ما حدث استأنف المحاولات و بجرأة أكثر، حتى و السيدة بين الحين و الحين تجبر عنقها المكتنز على الالتواء و تصويب نظرات صاعقة هلعة مستبشعة راجية، أخيرا بدأ يطفر منها دمع متحجر صامت. نظرات كان واضحا منها أنها تتعذب عذابا لم تذقه في عمرها، إذ كانت تتألم ذلك الألم القاتل الذي لا يستطيع فيه المرء أن يصرخ أو ينطق أو يقول لا. و الرجل و كأنه فقد الانسانية و الحيوانية معا لا يولي شيئا من هذا كله أي اعتبار، مندمج بكليته في متعته الدنيئة الغارق فيها لا يرى سواها و لا يهمه أي ألم هائل تعانيه السيدة لقاء لحظة المتعة تلك"

القصة بالكامل في المجموعة الكاملة للأعمال القصصية ليوسف إدريس
مجلد الشروق
http://www.4shared.com/office/Ph_56nmE/____.html

Friday, April 13, 2012

من تتبعين؟

 13-4-2012
قيل انها جمعة حماية الثورة من ترشيح الفلول "عمر سليمان" و كأنه وحده الفلول...
جدير بالذكر ذكر الماضي
اتهمت الدكتورة منال أبو الحسن، أمينة لجنة المرأة بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين السيدات المشاركات في مسيرة حرائر مصر، التي جاءت في أعقاب سحل فتاة مصرية في ميدان التحرير على أيدي عناصر الجيش، بأنهن ممولات من الخارج لتحقيق أجندات خاصة، وقالت في حوارها مع «الشرق الأوسط» في القاهرة إنه «عندما تسير المرأة للدفاع عن حقها فهذا امتهان لكرامتها»، وأضافت متسائلة:
«أليس لها زوج، أو أخ، أو ابن يدافع عنها؟!».
الصورة الاولى لمسيرة الحرائر بعد سحل وتعرية الفتيات فى الشارع .....
الصورة الثانية للأخوات فى ميدان التحرير فى جمعة "حماية الثورة"
حتى لا ننسى

Sunday, April 8, 2012

مشروعية الاغتصاب

هذا ما نشرته جريدة الوفد، هذا رأي الدين، و لا يوجد قانون أو عقاب لأنه من أفسد شيئا فليصلحه....ماذا يوجد في فروجنا ليملكه شخص ما بعد وطئه؟

http://www.alwafd.org/أسرة/84-هو%20و%20هى/191417-ابنتي-ترفض-الزواج-ممن-اغتصبها-أنا-بين-نارين


من ناحية أخري كان للشيخ محمود عاشور ،وكيل الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية، رأي آخر فهو يؤيد الأب في رغبته في ستر فضيحة ابنته، ويعتبر مسلكه بالضغط على الابنة للزواج من الجاني مسلكا صحيحا خاصة وأنها قد تكون حاملا وفي هذه الحالة يكون هو أولي بحمله. ويصف قبول الجاني الزواج من ضحيته بالتصرف الحسن لأنه لم يهرب بفعلته وذلك من باب من أتلف شيئا فعليه إصلاحه.

ويؤيده في الرأي الشيخ إبراهيم البديوي ،أستاذ التفسير والقراءات بالأزهر الشريف، والذي يرى أن الشاب طالما شعر بغلطته وأراد أن يصلحها فعليها أن تعطي له الفرصة وتحاول مسامحته لأن الله غفور رحيم ولكن دون إرغام لها، وفي حالة رفضها له تماما على الأب رفض إتمام الزواج ولكن عليه في المقابل مصارحة من يتقدم لخطبتها مستقبليا بما حدث وعليه أن يقبل ذلك أو يرفض
.

في سياق آخر و بتاريخ 31 مارس 2012
تحدث واقعة اغتصاب اخرى من "مجندين" لفتاة قاصر وجدوها مع شاب في حديقة...و بالتالي لا مانع من اغتصابها بالطبع...الغريب أنني قرأت في موقع ما تعليقا من مواطن قال أنه لو مازلت عذراء و قد أبقوا هم على عذريتها فهذا قد يشفع لهم!
http://www.elfagr.org/index.php?option=com_content&view=article&id=151500:%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D9%86%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%BA%D8%AA%D8%B5%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%82%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9%E2%80%8E&catid=53:%D8%AD%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%AB&Itemid=33




حتى لا ننسى

Thursday, April 5, 2012

خالد فهمي: ثورة الجسد

"...ففي عام 1832 افتتحت في الأزبكية مدرسة للقابلات، و كانت تلك المدرسة تلقن عددا محدودا من الفتيات مبادئ العلوم الطبية، و لدي تخرجهن من المدرسة كنّ يعملن كحكيمات لقسم الشرطة للقيام بمهام الطب الشرعي، فبالاضافة لتحديد أسباب وفاة النساء كانت هؤلاء الحكيمات مكلفات بالكشف على البنات اللاتي يسوقهن أقاربهن إلى أقسام الشرطة للتأكد من عذريتهن. و تحفل سجلات الشرطة المحفوظة في "دار الوثائق القومية" بمئات القضايا التي تتضمن تقارير الكشف تلك و التي تحتوي على عبارات وضيعة مثل " وجد غشاء البكارة منزال (كذا) من مدة مديدة، أو وجدت ثيب (أي ليست بكرا) و مستعملة من قبل.."

لقراءة باقي المقال

http://www.box.com/s/b82abad077d7e018dec8

"تودد" أو "الثورة التي لا تؤنث لا يعوّل عليها" (1) / د. عبد الله البياري

- "كنت حبي الوحيد" لزكريا رحماني -

على امتداد أربعٍ وثمانين ليلة من ليلة وألف ليلة، في ظلال الحكي الشهرزادي (الأنثوي) في أبهة الحضور الذكوري لشهريار الثقافة / السلطة / الذكر (وكما سيتضح تباعًا الذكر / اللغة)، في حضور السطوة "المسرورة" للسيف المذكر أيضًا، وعلى ركام إناثٍ / حكيٍ سابقٍ على شهرزاد، ظلت تلك القاصّة، تسرد على مسامع الأمير قصة الجارية "تودد"، متخذة من انتصاراتها السردية، حماية لها من بطش السيف الأميري الـ"مسرور"، مراكمة الليالي سردية فوق سردية، مؤسسة لتأنيث السرد الحكائي ألفًا من اليالي وليلة، لا قبلا ولا بعدا، في ظرف ثقافي دائم الانتصار للذكورة.
أما "تودد"، التي دفعت الموت عن شهرزاد كل تلك الليالي الـ84 من الألف وواحدة، فقد كانت جارية لشاب يدعى "أبو الحسن"، ولذلك الأخير قصة تترواح فصولها بين العبث و الفشل، وحيد والديه، ذا جاه عريض وثراء عظيم، ولم يكن لوالده من الذرية إلاه، ولكن على خطوط يد هذا الشاب، أهدر الجاه وتبدد الثراء، وصولاً به إلى حافة الفقر والإفلاس والإملاق، ولم يتبق له إلا "تودد" الجارية.
وعلى مشارف يوم جديد، في بيت خال من الزاد والماء، قالت له:
"ياسيدي احملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، وأطلب ثمني منه عشرة آلاف من الدنانير، فإن استغلاني فقل له يا أمير المؤمنين وصيفتي أكثر من ذلك، فاختبرها يعظم قدرها في عينك لأن هذه الجارية ليس لها نظير ولا تصلح إلا لمثلك"، ثم قالت له إياك أن تبيعني بدون ما قلت لك من الثمن فإنه قليل في مثلي، وكان سيد الجارية لا يعلم قدرها ولا يعرف – ولذلك دلالته فالأشياء لا تقاس إلا ببعدها المادي كـ "كونها ملك يمين"-  أنها ليس لها نظير في زمانها.
طرقات على باب الخليفة العالي، يفتح الحراس للقادم وما ملك، وفي حضرة الخليفة، يتعجب الرشيد من ارتفاع الثمن، ولكن أبا الحسن يطلب من الخليفة الرشيد (امتحان) ما ملك ليعرف قيمتها فيملك، وهنا تعرض على الرشيد "تودد" عرضًا فيه من التحدي ما يكفي لإثارة الخليفة وهزّ بابه العالي، وكذلك ما يكفي لجلب علماء الخلافة من البصرة، وعلى رأسهم إبراهيم بن سيار النظام، ومعه الفقهاء والفلاسفة والراسخون في العلم في زمنهم، وتدخل معهم تودد في مناظرة، لتخرجهم مهزومين واحدًا واحدًا من المجلس، عراة من ثيابهم ومن وجيه معنوياتهم ومنزلتهم.
إذ تتقابل الأنوثة عرضًا ضعيفًا في مقابل القوي الذكر الدائم، فالأنثى ها هنا جارية –لاسيدة- لا حرية لها، فتاةٌ/شيءٌ/ملكٌ وحيدة لا أهل لها، بلا سند أسري أو اجتماعي أو مادي، صغيرة السن، غضة الجسد فاتنته، وصاحبها لا مال له ولا أمل، ومنزوع الجاه والثراء والمنزلة، وكل ذلك –ويزيد- عوامل ضعف.
وفي مقابل ذلك يأتي الذكر/ الخليفة، متسلحا بذكورته المُلك والسطوة، وذكوره الرواسخ في العلم و الفلسفة والدين والجاه والسلطة والبطش، لتجتمع الدولة بسلطانها السياسي والمالي والحضاري والديني والثقافي، لتواجه "تودد"، سلطان راسخ، فحولة مكتملة ومثقفة وممنطقة ومشرعنة في مواجهة جسد غض وسن صغير وأنوثة مملوكة.
وتتهاوى الأحداث على مسمع شهريار ، وهاهي "تودد" تبارز الرجال واحدًا تلو الآخر، لا تناظر أحدهم إلا بعد هزيمة الأول علانية، أمام الخليفة ورهطه من راسخي المكانة وعلماء الزمان الدوّار. يبدأ سائلاً، فتجيب "تودد" بإفحام، فتهدد مواطن التمكين فيه، شخصًا ومنطقًا، فيلجأ للحيلة للإيقاع بها، بمنطق الذكر الغرور، تهزمه رجاحة الأنثى ودهاؤها الأنيق، فيلعن الرواسخ راسخًا راسخًا هزيمتهم، مستسلمين لخروج العلم عن ذكورته إلى أنوثتها، وفصيح لسانها.
ويأتي دور "تودد" حينها لتسأل الراسخ بعدها أسئلة في ظل علمه، تنتهي على الدوام بعجز إجاباته، و انفضاحه أمام سلطانه "الرشيد"، فتعاقبه الأنوثة الحكم بأن تُنزع عنه ثيابه ،ويهرب عاريًا خذلاً.
ولعل إصرار السرد على الإشارة إلى إصرار كل راسخ من الرواسخ على التعامي عما صار بسابقه له من الدلالة الكثير، فها هم يتهاوون في منطق التأنيث، واحدًا تلو الآخر، المقرئ ثم الطبيب وقبلهما الفقيه – بأمر من السلطان بعد ممانعة-، و المنجم في الخاتمة إذ يقول للجمع: "اشهدوا على أنها أعلم مني" وانصرف مغلوبًا، هو دلالة على ذاتية الفحولة في منطق كلٍّ ممن سبق وتلى.
ولورق التوت على عوراتهم منطق الفكاهة بعد الهزيمة، فهاهو الـ"حكيم" يسأل "تودد": (أخبريني عن الجماع..) فلما سمعت ذلك أطرقت رأسها واستحيت إجلالا لأمير المؤمنين، ثم قالت: "و الله يا أمير المؤمنين ما عجزت بل خجلت وإن جوابه على طرف لساني". فلم يكن إلا التندر والسخرية حلاً لتلك المحاولة "الحكيمة"(!!!)، بعد الإطراق الصامت على استحياء منتصر، ثم أتت الخاتمة عندما أقّر (النظام) قوة تلك الثقافة الأنثوية جسدًا ومعنًى في "تودد"، حينما سألها عما هو أحّد من السيف؟ فقالت: اللسان.
************
للرمز في قصة "تودد" كل البطولة، فبعيدا عن مسرحة السرد وساخره في بعض المواقف، إلا أن البطولة في تلك القصة هي للرمز، بداية من الاسم، فـ"تودد" اسم يعود إلى نسب دلالي ثري، فالود هو أحد أبواب الحب ومداخله، وهو باب من خمسة وخمسين بابًا للعشق – ذكرها ابن القيم الجوزية، فالود "خالص الحب وألطفه وأرقه، وهو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة"، ويقول ابن القيم، هو "أصفى الحب و ألطفه".
ويتضمن الود معنى "الجلب"، فتودده تعني اجتلب وده، ومن هنا كان لاسم الجارية "تودد" مسافة ثورية، رافضة لمنطق العام و السائد لغةً، بالذات حينما تتواطأ الثقافة مع اللغة لقهر "تودد" الأنثى، فهي جميلة، وصغيرة السن بلا حسب ولا نسب، و الظرف قاهر. ذلك يعني تحرر الجسد الأنثوي من سلطة اللغة وصفًا وتحوله من قيمة جسدية إلى ثقافية وفكرية رغمًا عن الثقافة نفسها، فالأنوثة تعري الرجولة وتهزمها، وهي غاية المفارقة وأقصى مداها، وفيها قلب للسائد الاجتماعي والثقافي، إذ تدفع المرأة ها هنا بنفسها إلى صدارة المقام الاجتماعي، فتقف أمام الخليفة وفي مجلسه، ويتم إحضار أباطرة العصر من راسخيه في العلم وغيره، وهو ما يمثل ذروة الهرم الاجتماعي، لتنتصر.
للرمز أيضًا دور، عندما نجد أن حكاية "تودد" لم تحقق ثقافة "نسائية" ذاتية، كما يرنو الكثير مما يسمى "الحركات النسوية"، التي تنادي بالمساواة من باب الخروج عن النسق الثقافي، وهو ما يعتبر في ذاته اعترافا "جنوسيا" بالتفوق أو "الغيرية" الذكرية، إن الثقافة المجازية في القصة هي:
- ثقافة جسد مقابل عقل.
- سادة في مقابل جارية.
- ثقافة كتاب ثابت في مقابل إبداع متمرد.
وهي ثقافة الرجل بلغة الرجل و عقل الرجل، ولكنها في ذاكرة الأنثى وعلى لسان الجارية، مما يمثل استلابا أنثويا لكل ما هو رجولي/ذكوري/فحولي، فالأنثى تخطف سلاح الرجل وأدواته السلطوية والمعنوية والدينية والثقافية، وتصوبها نحوه لتهدم صنم الفحولة والذكورة من عليائه.
لجمالية جسد "تودد" دورها، فالامتلاك المادي الأول لأبجديات وصفية جنوسية كالجسد الغض الفاتن المصحوب بصغر السن، لم يتوقف على حدود ماديته، إذ كان من الممكن لذلك الجسد أن يكون مصدر ضعف لصاحبته بوصفه إغراءً جنسيًّا مشاعًا، بحكم أن صاحبته "جارية"، إلا أن تحول الجسد من قيمة مادية إلى قيمة ثقافية زاده قوة فاقت ثوابت و"رواسخ" عصره البالغة الفحولة والذكورة، إذ وصلت قوته أن أنقذت "شهرزاد" بعد توسل لم يكتب له النجاح، بذكورها البنين الثلاثة، من مصير "شهريار"ـي محسوم و"مسرور" لمدة أربع وثمانين ليلة، فتحولت سردية "تودد" إلى انتصار أنثوي ممتد.
لملك اليمين ها هنا دلالة، أيمكننا أن نتخيل استواء المعنى والدلالة لو كانت "تودد" سيدة، حرة؟؟
أيمكن أن تُعرض "تودد" في سوق النخاسة هذا –على تفرده- من دون تدخل الرجل الذكر في المواجهة أو التقييم إن كانت سيدة حرة؟
إن شخصية الجارية جاءت بصفتها قناع بلاغي أو تورية، الهدف منه تحرير كامل الجسد الأنثوي ثقافيا، من بطش اللغة والمجتمع والثقافة، وكل أولئك هو نتاج لعلاقات القوى و السلطة، ذلك التحرير لا يأخذ بعده التام إلا بالوعي بالمسافة بين النص والحكي.
ولعل الثقافة في مجتمعاتنا – القديمة و الحديثة- هي فعل ذكوري محض، ولعل الأعراف الإجتماعية في بلادنا تكشفها إحصائيات "الأمية بين الإناث" و "التعليم الأساسي للإناث" و"التعليم العالي للفتيات" و "حملة الشهادات العليا بين النساء" و "النساء في العمل العام" و "عدد الرجال الذين يعتبرون الدراسة والأكاديميا و العمل العام أهم من البيت ومسؤولياته في شريكة العمر"وغيرها من الإحصائيات. وهو ما لايختلف كثيرا عن العصر القديم مما أشار إليه –مثلاً- السيوطي في كتابه "نزهة الجلساء و أشعار النساء" من أن الثقافة النسوية تعتبر معادلاً مضادا للحرية و السيادة (!!!) ، والمرأة الحرة لاتمارس الثقافة، سوى إستثناءات يسيرة لاتشكل نسبة ذات اعتبار وكثيراً ما يحدث التكتم على اسم المرأة الحرة إذا ماصارت على قدر من الثقافة مثل حال "علية بنت المهدي" صاحبة المجلس الثقافي الذي لا تجرؤ على تقديمه باسمها الحقيقي، التي ادعت الثقافة باسم منتحل ، لأنها –وإن إدعت القدرة على مواجهة الثقافة الذكورية للمجتمع- فهي لاتملك من شجاعة الرمز إلا القليل، ذلك القليل الذي لا يحررها تماما –كما هو الحال مع "تودد"- من التصميم الإجتماعي والثقافي للأنوثة، كمتاع ذكوري.
فالثقافة إذا صدرت من أنثى ، فهي ليست تحررية كما تقر الدساتير و العقائد الثقافية، فـ"علية" أخت هارون الرشيد التي قالت الشعر وأعلنت الحب و جاهرت بالغناء، سببت لأخيها حرجاً ثقافياً كبيراً، من دون مواجهة مع سلطته المعنوية ولا السياسية و لا الثقافية ولا الإجتماعية كما هو الحال مع "تودد" ومعركتها الدلالية و الرمزية مع فحول الرسوخ في ذاك العصر، إذ وجد الرشيد – وهو المعروف بحبه للشعر و الطرب- نفسه لا يقبل تداخل جنوسة الأنساق الثقافية بهذا الشكل المهدد للذكورة و الفحولة الثقافية السائدة، بأفعال أخته التي هي في نهاية الأمر أفعال جوارٍ- كما وصفها الأصفهاني في كتاب الأغاني- ، وقد كانت "علية" سيدة من بلاط راق ومتطور ثقافياً ويحيط بها الفن و الجاه ة الثقافة من كل مكان، فأمها مغنية وجارية في أصلها، ولها أداء شعري ولحني راق الخليفة المعتصم يومًا، ولما سأل عن قائله غضب غضباً شديداً حينما قالوا له أنه لعمته "علية"، وتلك غضبة ذكورية على الحمى الثقافي ، مدفوع ومشروط بجنوسية ثقافية، و إلا فما الذي يجيز للجواري ماهو حرام على السيدات؟
لذا، كان أكثر ما يوضح ذلك هو الجذر الدلالي لكلمة "تودد"، الذي يحيلنا إلى ماورد في معنى (المودة) حيث جاءت الإشارة إلى أن معناها (الكتاب) –القاموس المحيط : مادة "ود"- ، وبه فسر بعض المفسرين قوله تعالى (تلقون إليهم بالمودة) أي بالكتب. وذلك مايقيم علاقة جذرية بين اسم الجارية ومفهوم الكتاب، وكأن "تودد" قد برزت أمامنا بوصفها كتاباً أو موسوعة معارف من المحفوظات العصرية.
وهنا نعيد التذكرة للجميع، بأول آية في الذكر الحيكم، إذ أنها مع "تودد" تعري زبانية الدين، ووثنيوا السلطة وعسكريوها،  في هذا العصر فتقول لنا على أعتاب جسد "تودد" الثقافي الثوري: اقرأ؟
فيردون: "نحن نيام"، وكلنا –ذكوراً و إناثاً- "تودد" بلا دلالة تحررنا، مالم نتحرر قبلا بدلالتهنَّ.
 ************
للثقافة ملحمة ذكورية أخرى في الشأن الأنثوي ، فهاهو غلغامش تصدره الثقافة محارباً عن الإنسانية والطموح الإنساني الأزلي للخلود و التوق للآلهة، دون أن تذكر شيئاً أو حتى إسماً عن الأنوثة المنتهكة في الطريق إلى السماء.
إذ كانت الأنوثة أداة للسلطة ، لها "وظيفة" تتحدد بالمنطق البيولوجي، حيث يرد في بداية النص الملحمي المسماري:
وأنبيء غلغامش عن بأس هذا الرجل
وليعطيك بغياً مومساً تصحبها معك أيها الصياد
دعها تسيطر عليه وتروضه
وحينما يأتي ليستقي مع الحيوان مورد الماء
دعها تخلع ثيابها وتكشف عن عورتها ومفاتن جسدها
فحالما يراها فإنه سيقترب منها وينجذب إليها
وعندئذ ستنكره حيواناته التي ربيت معه في التربة
تتعامل الثقافة المسرودة هاهنا مع الأنوثة بالمنطق الوظيفي الأداتي، مغطية على طول السردية على الكينونة الأنثوية ، محولة إياها إلى ملموس ذاتي ، ولا يعرف لها إسم –باعتبار أن الإسم أولى أدوات تعريف الشخصية المؤثرة في بناء الحبكة للسرد- ، إذ تقدمها الثقافة سرداً بالتعريف الوظيفي لها ، إذ أنها على طول السردية "بغي" و "مومس"، لتقيد الجمالية الأنثوية بحدود الهدف السلطوي ، لتأكيد أن الجمال عورة وفتنته بداية السلاح و الشَرّكْ، إذ يرد في موضع آخر:
 
هذا هو أيتها البغي فإكشفي عن نهديك
إكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسدك
لاتحجمي بل راوديه و ابعثي فيه الهيام
فإن متى رآك انجذب إليك
إنضي عنك ثيابك ليقع عليك
علمي الوحش الغر فن (وظيفة) المرأة.
 
أي أن الثقافة السردية هاهنا تحدد الأنوثة "وظيفياً"، وهو مايعيد التأكيد على أن التأسيس الثقافي للأنوثة لا يخرج عن:

1. الغواية الجمالية مادياً ، وليس قيمياً ، وهو ما تحدده الكثير من المواريث الدينية و الاجتماعية وماتعارف عليه العرف و الجمع، بالتواطؤ مع اللغة.
2. التناسل، إذ يرد تعريف "الأنوثة" في كتاب النحو الواضح بالقول: "المؤنث" الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل، ولو كان تناسله عن طريق البيض والتفريخ.
أي أن التأنيث محصور في وظيفتين، لهما نطاقهما الزمني ، المحصور في فترة من بضع و عشرة من السنين مابين سن البلوغ : إتضاح الشكل غواية بيولوجية إلى ماقبل الكهولة: إنطفاء القدرة التناسلية بيولوجياً، أما ماقبل ذلك ومابعده ، فليس من "حقيقة" الأنوثة في شيء ، ولذلك دلالته حتى في الثقافة الدينية إذ تحتجب المرأة على مشارف البلوغ أو ماقبل، ولاتلزم به فيما بعد، في تخصيص لجغرافية الجسد البيولوجية، تحقيقاً لفكرة الحور العين ، ملك اليمين الذكوري في الجنان، ليتماهى الجسد و البيولوجيا دينيا وثقافيا.
وبالعودة للملحمة المسمارية:
لبث أنكيدو يتصل بالبغي ستة أيام وسبع ليالٍ
وبعد أن شبع من مفاتنها
وجه وجهه إلى ألفة من حيوان الصحراء
فما أن رأت الظباء "أنكيدو" حتى ولت عنه هاربة
وهربت من قربه وحوش الصحراء
ذعر "أنكيدو" ووهنت قواه
خذلته ركبتاه لما أراد اللحاق بحيواناته
أضحى "أنكيدو" خائر القوى لا يطيق العدو كما كان يفعل من قبل
ولكنه صار فطناً واسع الحس والفهم
رجع وقعد عند قدمي البغي
وصار يطيل النظر إلى وجهها
ولما كلمته أصاخ بأذنيه إليها
كلمت البغي "أنكيدو" وقالت له:
"صرت تحوز الحكمة يا "أنكيدو" وأصبحت مثل إله
فعلام تجول في الصحراء مع الحيوان؟
تعال آخذك إلى "أوروك" ذات الأسوار
إلى البيت المقدس، مسكن "آنو" و"عشتار"
حيث يعيش "غلغامش" الكامل الحول والقوة
المتسلط على الناس كالثور الوحشي".
ينبني التعامل الثقافي مع الأنثى في النص المسماري  على توظيف الدلالة الجسدية للمرأة ، أو حيزها الوحيد المعترف به في الفضاء الثقافي، توظيفاً في الحبكة سلطوياً ، إذ يراد بها نزع القوة عن  "أنكيدو"، في منطق معادل ومقابل لذلك الذي حدث مع "تودد" ولكن الدلالة واحدة.
إن تحديد الحيز الوجودي للمرأة في الملحمة –إلى الآن- هو مجرد أداة وظيفية للثقافة الذكورية ، ولكن تلك الثقافة هزمتها الأنوثة –جزئياً- ، وهي تحرر "أنكيدو" من همجيته وبدائيته ، رافعة إياه لمنزلة أعلى من تلك التي كان بها ، وهو مايمثل أحد أهم مفاصل ومواقع النصر الأنثوي في الحكي على الثقافة الذكورية ، بتحرير "أنكيدو" والتاسيس لحالة من الندية و المساواة بين سليل الآلهة ، وسليل الطبيعة (المؤنثة، فأنكيدو من أم لم يرد ذكرها، وثقفته أنثى).
تلك الأنوثة التي إنتصرت إنتصاراً تالياً على السابق، حيث علمت "البغي/المومس" "أنكيدو" أحد أهم تمثيلات الثقافة، وطقوسها: الأكل ، إذ تقول الملحمة:
ربي على رضاع لبن الحيوانات البرية
ولما وضعوا أمامه طعاما تحير واضطرب،
وصار يطيل النظر إليه
أجل لا يعرف "أنكيدو" كيف يؤكل الخبز
لأنه شب على رضاع لبن حيوان البر
ولم يعرف كيف يؤكل الخبز
ولاكيف يشرب الشراب القوي
ففتحت "البغي" فاها وخاطبت "أنكيدو":
"كل الطعام ياأنكيدو، فإنها سنة الحياة
واشرب من الشراب القوي، فهذه عادة البلاد"
فأكل "أنكيدو" من الطعام حتى شبع
وشرب من الشراب القوي سبعة أقداح
فانطلقت روحه و انشرح صدره وطرب لبه ونور وجهه
نظف جسده المشعر ومسحه بالزيت
وأضحى إنساناً، لبس اللباس وصار كالعريس
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالنصر الأنثوي لأنكيدو وبه، مكَّنه  بما حبّاه من الحكمة، و الحس و النباهة  و الثقافة، أن يمنع  طقس "الزواج المقدس"، و الذي تقوم فيه "كاهنة" بدور الآلهة لتحقيق الاتصال الجنسي مع الملك (ومايحققه ذلك أيضاً من دلالة النفي والإخفاء للأنثى الآلهة، حيث لا يمكن حتى للآلهة من تخطي حدود وقيود المنع والتخصيص الجسدي الأنثوي ثقافياً للذكر/الإله/الملك أو سليله، بل تحتاج لوسيط يمثل نفس القيمة الجسدية الأنثوية ، و إن كان ذا مرتبة أقل قداسة، فالقدسية لا تحرر من الذكورة في حالة الآلهة المؤنثة أيضاً).
وهاهو "أنكيدو" الذي حررته الأنوثة، يتصدى لغلغامش ويمنعه من دخول المعبد (الحيز الذكوري الجنسي المقدس ، الذي لا تحضر فيه الأنثى كاملة إلا محض متاع وخفاء و تخصيص)، فتنشب معركة بين البطلين ، ودلالتهما (مصارعة)، تنتهي بهزيمة "أنكيدو"، بعد طول مقاومة واستماتة. وكما أي سلطة ، تتجمل "الثقافة" بالمهزوم، وهاهو "غلغامش" الرمز و السلطة والثقافة الذكورية والمؤله (في ثلثيه) ، المنتصر الذي لم تحرك فيه الأنوثة إلا حس التجبر و التسلط و القهر (تقول الملحة وتركز على أن غلغامش كان يواقع الفتيات ليلة زفافهن قبل أزواجهنن ولم يترك فتاة لأمها، ولا صبية لبعلها)، ينعم على "أنكيدو" الذكر -أيضا- الذي حررته الأنوثة فتمرد على الثقافة و السلطة، بنعمتيَن، ليسا إلا منةً من الثقافة / الذكر:
1. تسمية شهر آب/أغسطس في التقويم البابلي بشهر "غلغامش": الذكر المنتصر.
2.ربط صداقة "أنكيدو/المهزوم" لـ"غلغامش/المنتصر" باعتراف الأول بغلبة خصمه له ، الذي يتحلى بالملوكية المقدسة، في طقس أقرب مايكون للأيروسية والذكر المسيطر.
************
في حركنا الثوري العربي (والنضالي أيضاً كما سيرد تباعاً في أجزاء أخرى من الدراسة) ، نجد كثيراً من ظلال "تودد" و "علية بنت المهدي" و "البغي/ المومس" ورمزيتهم التي لا تستعص إلا على مذكر سلطوي/ثقافي/اجتماعي/ديني فهماً. فمن الحراك الثوري المصري مثلاً، ها هي "قتاة التحرير" التي عراها جنود المجلس العسكري المصري، تترادف في رمزيتها مع "تودد"، بجسدها الواقع تحت سطوة قوتين قمعيتين ظاهرتين:
- العسكر: فيما يمثل البنية السياسية (علاقات القوى)
- الدين (تأويلاً): فيما يمثل جزءا حيويا من البنية الثقافية (علاقات المعرفة)
أما القوى الغير ظاهرة و التي ساهمت في قمع الفتاة، فيمكن القول أنها قوى "مركبة" من التفاصيل المجتمعية، والأعراف، والتقاليد وغيرها، ولكن الجدير بالذكر أن كل تلك الأنساق لاتنفصل عن (علاقات القوى: السياسية و التي يملكها العسكر الآن ومن تواطأ معه) و (البنية الثقافية وما يمثله التأويل الديني وتفسيراته و المعرفة من عنصر أساسي في تكوين تلك البنية).
الجسد المؤنث في الكثير من التأويلات الدينية –وليس النصوص- هو إمتداد للتعريف اللغوي للمؤنث،إذ يعتبر رمزية الجسد لا تخرج عن كونها رمزية غواية  جنسية ، ومثير يفقد من يقع تحت سطوة الغواية إنسانيته وقيمته ويحوله لحيوان يقاد بالغريزة لا عقل له، أي أن الجسد المؤنث هاهنا يصيب من يراه بدونية تعتريه، وتفصل بينه وبين "ألفته" –من البشر أو الأتباع أو أصحاب نفس الدين والتأويل- ، وهي نفس الوظيفة التي أريدت "للبغي/المومس" في تعاملها مع "أنكيدو" باديء الأمر، ولهذا وجب على الدوام إما "حجبه" و إما "تنقيبه"، أي أن الشحنة التي أعطيت للجسد الأنثوي هاهنا هي شحنة تنفي عن الجسد وجوده القيمي الإنساني، وتحصره في الوجود البيولوجي وتبعاته.
فإن كانت "الأجساد كيانات مختلفة طبيعياً (...) فهي كذلك ظاهرة طيعة إلى حد كبير، ويمكن شحنها بمختلف أشكال الوة المتغيرة" –بحسب فوكو-، فعلينا أن نتذكر أن الجسد و حركته هما رسم على إحداثيي الزمان و المكان ، ولعل غياب التعبير الجسدي ، هو في الأصل رديف –تعبيري في ذاته- لمشكلة غياب الحرية والديموقراطية، إذ أن حرية الجسد تتحقق في الوجود والإزدهار تعبيرياً ، أي أن للجسد فنون أوسع من تعاريفنا الظرفية و الشرطية لكلمة فن، وأقرب للتعبير "الرمزي" –كما الحال في بطلاتنا الواردة أعلاه- ، أي أن الجسد وجد لتحقيق قيمة : الرمز، وهي في أصلها –بحسب غلبير دوران- : " تأكيد الاتجاه للحرية الشخصية"، وهو الدور الذي لا يتحقق إلا في بوتقة الحرية –التي يسميها "دوران" : "محرك الرمزية" أو "جناحي الملاك"- تلك البوتقة التي أعطت لفتاة التحرير قدرتها التحررية والثورية الهامة:
فتلك الفتاة أريد قمعها "جسدياً ورمزياً" في حيزيّها العام و الخاص، فوجودها معترضة على سياسات الطبقة الحاكمة في ذلك الظرف  (المجلس العسكري) ، إستلزم نفياً وطرداً لها ولبقية المتظاهرين المعتصمين معها من الحيز الجامع لهم بصفتهم مواطنين لهم آراؤهم التي قد تختلف مع السلطة الحاكمة، ولعلها الصورة الأكبر و الأكثر رمزية من حيث التعبير الجسدي، عن رفض تلك السلطة و سياسياتها باستخدام الجسد البشري في"اعتصام" في مكان وزمان معيّنيَن.
أما الحيز الخاص لها: (الجسد الأنثوي) و الواقع تحت تأويل ديني ما "النقاب" يتعامل مع جسدها باعتباره ملك يمين لاشأن لها به ولايعبر عنها في حيزها العام، فهو مغطى لا لها ولكن لصاحبه ، في صورة شهوانية وجنوسية عن فكرة الحور العين الجنانية وقصرها على التعريف المادي الجنسي.
 بكلمات أخرى ، فإن مواجهة تلك الفتاة لذلك القمع الجسدي الواقع  عليها هو قمة التعبير والفعل الثوري الرافض والحسام في رفضه لمسألة "قمع المختلف/الرافض لسياسات المجلس العسكري".
وهو ذلك الحسم الذي عرى ، تماما كما حدث مع "تودد"، إذ عرى كل من قنن له، و أسس وشرعن له. ويزيد الأمروضوحاً ، ورود "علية بنت المهدي" في نفس السياق الثوري ، وهي الفتاة التي تمردت –كما تدعي- على الأنساق المجتمعية و الثقافية و الدينية في مجتمعها بأن عرضت العاري من جسدها على وسائط الإنترنت، وهو نوع من التمرد ى-كما قد يراه البعض- كشف إزدواجية المجتمع في التعامل مع القوى القامعة له، فنرى أن "علية (أوعالية) المهدي" –كما تسمي نفسها- قد جذبت إليها رفضاً وقبولاً من لا يمكنه أن يتحرر من الأنساق الثقافية والسياسية و المجتمعية القامعة له (كما في في حالة فتاة التحرير)، ليصبح أغلب من يهاجمونها يملكون نفس الحمية في "الخرس" و "الصمت" و "التواطؤ" و أخيراً "الهجوم" على فتاة التحرير التي عراها "عسكرهم/سياستهم" و "دينهم/تأويلهم".
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، ليظهر لنا فيصل ثقافي آخر وهو "سميرة إبراهيم"، التي تقترب بـ"فتاة التحرير" و "تودد" من  "بغي/مومس" "أنكيدو"، التي حررته بجسدها، فسميرة بنت الصعيد ، بنت النسق الإجتماعي و الثقافي البالغ الذكورة في التعامل مع المرأة تتحدى نظرة المجتمع والثقافة:
- للفتاة التي تقتحم مجال العمل السياسي العام بصفته حقلا ذكوريا، وتقضي كما العديد من الثوار و الثائرات ليلها في الحيز الجامع (ميدان التحرير) باعتباره حيزاً جامعاً للمناضل السياسي المذكر أولا ، ولامكان للفتاة خارج بيتها ثانياً.
- للفتاة التي وقعت ضحية اعتداء جنسي مبرر أو غير مبرر، باعتبار أن الدارج في المجتمعات الذكورية  (والمحافظة) أن الأنثى لها نصيب كبير من اللوم.
- للفتاة بنت المجتمع والثقافة المحليتان اللتان تعتبرانها جزءاً لا يتجزأ من فضاء ذكوري لا تكون كاملة إلا به.
والأهم أن القيمة التي تحددها "فتاة التحرير" وصولاً إلى "سميرة إبراهيم"، و إقترابهما من رمزية  "بغي/مومس" "أنكيدو" ، هي قيمة في أصلها قيمة ثورية ، قامت –كما الثورة- لرفض إستلاب الإنسان في الثقافة و المجتمع العربيين ، باعتبارهما تمظهراً وتمثيلا أولياً وتراكمياً لعلاقات القوى السياسية و المعرفية. (ومخطيء من يظن أن الثورة قامت لتغيير في الكروش القابعة على الكراسي فقط).
وأول الإنسان الأنثى، باعتبارها الإستثمار الأسمى إنسانياً ، وهو ما ظهر جلياً في أثر "مظاهرات السيدات/حرائر مصر"، وتبعاتها على الحس الثوري و الحراك الثوري.
ولعل أهم مقتل للثورة وحراكها الرفضوي لما قبله ، هو إعادة موضعة المرأة في نفس القوالب المجتمعية و الثقافية والسياسية التي كانت عليها قبل الثورة ، وبالذات في كل الإجراءات المؤسساتية التي تقدم للعامة و يتعامل معها الخطاب على أنها نتاج ثوري ، هي أقرب ماتكون لإعادة موضعة للأنساق والمؤسسات المتحكمة في إنتاج معارفنا وفضاءاتنا السياسية ، كما في "برلمان مابعد الثورة" وهو الأقرب لما قبل الثورة، و ما انبثق منه من جمعيات تاسيسية كل ما ستفعله أن تعيد مأسسة النفي المجتمعي والثقافي و السياسي  والجسدي للأنثى دستورياً (مثال: التعامل مع فرض الحجاب وتقنينه، وقوانين الزواج للقاصرات، و القنوات الإباحية وغيرها).
أترانا نسمع "تودد" و"سميرة" و"بغي/مومس" أنكيدو"، وهنَّ يقلنَّ، بصريح البيان والمجاز: اقرأوا.
ونرد: "نحن نيام".
 وكلنا –ذكورًا وإناثًا- إنتهاك ونفي بلا دلالة تحررنا، مالم نتحرر قبلا بدلالتهنَّ.
 (في خاتمة السطور: تحية إجلال و إكبار واعتذار لسميرة إبراهيم وتودد وفتاة التحرير، وللأنثى في بلادنا أوطاناً و ضمائر، ولهن أقول: أنتن أول الوطن، وبودنكنَّ نحن مجرد انتهاك ثمل).